2017 عام مواجهة الفساد...!
كلما داهمتنا مقررات رفع الأسعار وزيادة الضرائب يخرج سؤال “الفساد” من قمقمه، وتحضر أسماء المتهمين به واحداً واحداً، وكأن الذاكرة الشعبية لا تحتفظ الا بمتلازمة اقتران ما وصلنا اليه على صعيد الاقتصاد بما فعله الفساد بنا.
في لقائه الأخير مع الإعلاميين قال جلالة الملك: ان عام 2017 سيكون عام مواجهة الفساد، وهذه رسالة يجب ان تلتقطها الحكومة اولاً والمجتمع ثانياً، لا أريد ان اعلق هنا على ما يفترض ان تقوم به الحكومة على صعيد “ملفات” الفساد، فهي أدرى بذلك، ولكن لابد ان ينهض المجتمع ايضاً للتحرر من عقدة “الفاسد” المحمي بالعشيرة او القرابة، صحيح ان لدى المجتمع ثقافة مترسخة تدفعة الى الانتصار “للسمعة” العائلية، خاصة حين ترتبط بشخصية عامّة ، لكن الصحيح ايضاً هو ان “الانتقائية” والمزاجية في تفعيل القوانين على الجميع دون أي اعتبارات او استثناءات كرّس مثل هذه الثقافة، وأعطى البعض حق الدفاع عن الفاسدين الذين يستظلون بمظلة الولاءات الفرعية وكأن اتهامهم او ادانتهم لا تقتصر علهم فقط وانما تشمل عائلاتهم ايضاً.
المعركة ضد الفساد ليست سهلة كما يتصور البعض، لكن لا بد للدولة ان تخوضها، وما دام ان الإرادة السياسية متوفرة، فإن الانتصار فيها ممكن وواجب مهما كان حجم الخسائر، اذا اعتبرنا ان “نبش عش الدبابير” سيلحق بعض الخسائر، وقد رأينا مثلا ما حدث في مكاتب وزارة العمل بالمفرق والرصيفة، حيث تحركت خلايا “الفساد” للدفاع عن نفسها، والتغطية على فسادها بحرق المكاتب وما فيها من ملفات، بما يعني ان فرضية استسلام الفاسدين ليست صحيحة، وان لديهم من الإمكانيات والوسائل ما يمكنهم من خوض معركة “الباطل” حتى النهاية.
اي خطوة في هذا الطريق ستكون في الاتجاه الصحيح ، نحن نعرف ان “مؤسسة” الفساد أصبحت أقوى مما نتوقع ، وأوسع مما نظن ، ونعرف ان “للفاسدين الكبار” شبكات نفوذ وعلاقات عامة ، وحساب ومصالح ممتدة ومعقدة ، ولكن ما يشجعنا أننا بدأنا ، وان وجود الارادة السياسية ويقظة عين الرقابة وفتح أبواب “المساءلة” ورفع موازين العدالة ، وكسر حواجز الخوف.. كفيلة بضرب هذه “البؤر” وتطويقها ، وكفيلة باضعاف شبكاتها وردع المتورطين فيها والمتعاملين معها ، وكفيلة بتحرير بلدنا “الفقير” من هذا “الطاعون” الذي فتك به وأجهز على مقوماته وكرامة الانسان فيه.
ان يكون هذا العام هو عام مواجهة الفساد، مسألة حسمها الملك، بقي على الحكومة والأجهزة الأمنية المعنية بهذا الملف ان تتحرك على الفور، لكي تفتح ملفات الفساد بلا خوف ولا تردد، ليس فقط لأن الأموال التي نهبت ستساهم في “اسعاف” اقتصادنا وسد عجز مديونيتنا، ولا لأن هؤلاء “اخطأوا” ويجب محاسبتهم، وانما أيضا لأن ثقة المجتمع بالدولة، واقتناع الناس بالصبر والاحتمال، واستعدادهم لدفع ما يترتب عليهم من ضرائب جديدة دون إحساس بالظلم، سيظل مرتبطاً بمدى قدرة الدولة على استرداد أموالهم ممن سرقوها، وعلى حماية المال العام من البذخ والنهب، وهذا كله له علاقة بسؤال إقامة موازين “العدالة” الذي أصبحت الإجابة عليه واجباً وطنياً لا يجوز الاعتذار عنه تحت أي ذريعة او حجة.
بدل ان يمدّ لنا الفساد لسانه بمثل هذه الجرأة، وبدل ان يفاجئنا المتورطون فيه بحرق “الملفات” التي تشهد عليهم او الاستقواء بما لديهم من امتيازات، لا بدّ ان يكون “الرّد” عليهم أشد حزماً، فهم يتحركون في دائرة الضعف والخوف، ومتى توحدت الدولة بأجهزتها مع المجتمع ضدهم أصبح كشفهم أسهل والانتصار عليهم أيسر مما نتصور.
لدى الدولة الأردنية فرصة ثمينة لكي تبعث برسائل واضحة وقوية للمجتمع، سواء للذين “عبثوا” بالمال العام وبمقدرات الناس او للذين ينتظرون ان يروا ملفات الفساد على الطاولة، ورؤوس المتورطين خلف القضبان، فهذه الرسائل كفيلة بأن تطمئن هؤلاء الذين ما زالوا يقبضون على جمر الوطن ويتحملون من اجله كل شيء، وأن تردع أولئك وتحاسبهم على اخطائهم وتجاوزاتهم، وتكسر “نموذجهم” الذي قد يحتذى للأسف من قبل الذين نامت ضمائرهم او الآخرون الذين حين أمنوا العقوبة، اساؤوا التصرف او تجاوزوا حدود الادب.
لدي أمل (لكي لا أقول معلومات) بأن عام 2017 سيكون شاهداً على فتح ملفات فساد كبرى، وبأن الدولة الأردنية بدأت تتحرك فعلاً في هذا الطريق، ونحن –بالطبع- بانتظار ذلك، وكل ما نتمناه ان يتحول الامل الى أفعال وحقائق، وان نرى بعض الرؤوس الكبيرة المتهمة بالفساد في أروقة المحاكم لكي ينالوا جزاءهم العادل.
الدستور 2017-02-12