مديونيتنا الكارثية: من يعلق الجرس؟
بكل شجاعة، صرح رئيس الوزراء د. هاني الملقي، إبان مناقشات الموازنة العامة، أن الحكومة تخالف قانون الدين العام الساري المفعول، إذ تنص المادة 23 منه على أنه "بالرغم من أي نص مخالف لا يجوز أن يزيد الرصيد القائم للدين العام في أي وقت من الأوقات على 60 % من الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية للسنة الأخيرة التي تتوافر فيها البيانات. كما تنص المادة 2/ 128 من الدستور على أن "جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى بتشريع".
وبالرغم من ذلك، سمحت كل الحكومات منذ ذلك العام 2010 وإلى يومنا هذا، بتجاوز الدين العام هذه النسبة حتى وصلت حالياً نسبة 94 %. وكان مجلس الوزراء قد قرر البدء بتطبيق القانون ابتداء من 1/ 1/ 2010، حسب نص المادة 24 منه والتي تنص على أنه "تسري أحكام المادة (22) والمادة (23) من هذا القانون اعتبارا من التاريخ الذي يقرره مجلس الوزراء". ثم عاد المجلس عن قراره في 22/ 9/ 2009، ليقرر تأجيل البدء بتنفيذ القانون رغم عدم وجود نص يسمح لمجلس الوزراء بالتراجع عن قراره بعد اتخاذه، وإلا فما معنى وجود قانون للدين العام إن استطاع مجلس الوزراء عكسه وقت ما يشاء؟ ثم صدرت فتوى لديوان التشريع التابع للسلطة التنفيذية تجيز لمجلس الوزراء وقف العمل بالمادتين 22 و23 للمدد التي يراها مناسبة. بمعنى آخر، فإن روح القانون، كما نصه أيضا باعتقادي، قد أُفرغا من أي مضمون حقيقي. وقد آن أوان التوقف عن إصدار قوانين لغايات إبراء الذمة، وليس لحل تحديات البلد.
إذا كان لدينا نظام حقيقي من الفصل والتوازن، فمن المفترض أن تتدخل السلطة القضائية عن طريق المحكمة الدستورية، لوقف هذه المخالفة، أو على الأقل إعطاء تفسير مستقل. لكن المحكمة الدستورية المنوط بها ضمان دستورية القوانين وتفسيرها، لا تستطيع التدخل -حسب قانونها- إلا بطلب من مجلس الوزراء أو مجلس النواب أو مجلس الأعيان. وإذا كان مجلس الوزراء هو المخالف، والسلطة التشريعية ساكنة، فمن يعلق الجرس؟ إلى من يلجأ المواطن إن كانت السلطة التنفيذية تخالف القانون، وليس هناك من يقوم بمهام المراقبة والمحاسبة؟
لسنا هنا بصدد مناقشة دستورية فقط، بل نحن بصدد قضية تمس مستقبل أبنائنا وبناتنا الذين سيرزحون تحت دين كبير، وسيسألون: لماذا لم تقم مؤسسات الدولة بمنع ذلك وتطبيق القانون؟!
مررنا في الماضي بأزمة مشابهة، حين وصل الدين العام إلى مستويات أعلى من المستوى الحالي. لكن كان للدولة وقتها موجودات تغطي هذا الدين. فيما اليوم، وبعد أن باعت الدولة موجوداتها لتحسين الأداء، فإنه من غير الجائز للدولة السماح بمثل هذا التجاوز، لانها لا تملك ما يغطي الدين، ومن أجل ذلك شرعت قانونا يمنع التجاوز، لكنها وضعته على الرف، كما وضعت العديد من الخطط الإصلاحية السابقة، بدلا من إيجاد بدائل أخرى.
من المستغرب أنّ نقاشا جديا ولحوحا لم يتم حول هذا الموضوع من قبل السلطتين التشريعية أو القضائية، وأن الأمر قد ترك للإعلام والمجتمع المدني لتسليط الضوء على هذه المخالفة المفترضة. كما أنه من الواضح أن هناك قصورا في القوانين التي تضمن أساليب دستورية واضحة لا يستطيع أحد الالتفاف عليها، كما تضمن للمواطن أن يتقدم بطلب للمحكمة الدستورية لتفسير القوانين، فلا يبقى الأمر مناطا بالمجالس المشار إليها أعلاه. وهذا هو تماما ما تحدث عنه جلالة الملك حين أشار في ورقته النقاشية الثانية إلى ضرورة "تطوير منظومة من الضوابط العملية لمبادئ الفصل والتوازن بين السلطات وآليات الرقابة من أجل بناء نظام ديمقراطي سليم"، فأين نحن اليوم من كل ذلك؟
الغد 2017-02-15