"شيء في صدري"
"أقدم شاب يبلغ من العمر 19 عاماً على إحراق نفسه ليل الاثنين الثلاثاء، وأصيب بحروق من الدرجة الأولى والثانية في الرمثا. وتم نقله إلى مستشفى اللواء، قبل تحويله إلى مستشفى الأميرة بسمة بحالة صحية مستقرة، وفق مصدر أمني. وأكد المصدر أن التحقيقات الأولية مع ذويه تبين أن الشاب أقدم على حرق نفسه لعدم حصوله على عمل وصعوبة الأوضاع المعيشية".
"تعرضت سوق المؤسسة العسكرية في بلدة القطرانة التابعة لمحافظة الكرك، فجر اليوم الثلاثاء، لسطو مسلح وسرقة أموال، وفقا لمصدر أمني بالكرك. وبين المصدر أن ثلاثة أشخاص قاموا بقطع أسلاك كاميرات المراقبة وتهديد الحارس بالسلاح، وسرقوا القاصة الخاصة بالسوق وبداخلها ألف دينار، ولاذوا بالفرار".
"أثار قيام سائق باص عمومي بمنطقة صويلح بحرق باصه في الشارع العام صباح أمس، جدلا واسعا بين المواطنين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن الرجل تحدث عن قيامه بذلك احتجاجا على تراكم مخالفات سير عديدة عليه. احتراق الباص وجد طريقه سريعا، وفي بث حي مباشر، إلى مواقع التواصل الاجتماعي لحظة وقوعه، فيما وضعه معلقون في سياق حالة الاحتقان والضغوط التي تعانيها شرائح مجتمعية جراء الأوضاع المعيشية الصعبة، خاصة بعد سلسلة قرارات رفع الأسعار والضرائب الأخيرة".
هذه الأخبار الثلاثة هي "عيّنة" فقط من صحيفة "الغد" ليوم أمس؛ انتحار وسطو مسلّح وإحراق سائق لباصه، قد ينظر إليها بعض المراقبين والمسؤولين والسياسيين من زاوية أنّها أحداثٌ طبيعية نشاهد مثيلاً لها في كل مجتمع آخر، وهي مرتبطة بالتحولات الاجتماعية في زمن العولمة والحداثة، وجرّاء الضغوط الشديدة التي تتعرّض لها شرائح اجتماعية عريضة ليس في الأردن وحده، بل في العديد من المجتمعات، حتى في المجتمعات التي يرتفع فيها معدل دخل الفرد، ولا تعاني من أزمات اقتصادية.
قد تبدو هذه القراءة صحيحة ومقنعة، ومريحة للمسؤولين، لكنّها –في ظنّي- سطحية، اختزالية، تتعامل مع الظاهرة بمعزل عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وخصوصية كل مجتمع ودولة.
أتذكرون محاولة 5 شبّان الانتحار بإلقاء أنفسهم من فوق بناية في عمّان (في 11 أيار (مايو) من العام الماضي)؟ حينها قيل إنّها محاولة استعراضية من أجل لفت الانتباه. وقد يكون ذلك صحيحاً، لكن تقريراً لموقع "CNN العربي"، تضمن حواراً معهم، كشف حجم المعاناة الاجتماعية- الاقتصادية لهم، وعجزهم عن التكيّف مع الظروف الاقتصادية، وعدم قدرتهم على تأمين الحدّ الأدنى من الحياة، وعدم إيجاد فرص عمل.
ظاهرة الانتحار قد تكون طبيعية، والسطو المسلّح موجود في كثير من الدول. لكن عندما يتحوّل الانتحار (خلال أعوام قليلة) إلى ظاهرة في مجتمع معين، فيقفز معدله بصورة لافتة؛ وعندما تظهر فجأة عمليات سطو مسلّح لم تكن موجودة، وظواهر غريبة مثل إحراق الباص، وانتشار الرشوة والفساد الإداري والمخدرات، كل ذلك في لحظة واحدة، مع ارتفاع معدلات البطالة والراديكالية لدى الشباب، ولا نجد وعياً عميقاً لدى المسؤولين والسياسيين، ولا مجتمعاً مدنياً حيوياً قادرا على فهم الظاهرة والتعامل معها، عند ذلك لا بد أن نتخلى عن القراءة السابقة، وأن نتذكر عنوان رواية إحسان عبدالقدوس "شيء في صدري"!
الغد 2017-02-15