حل الدولة الواحدة؟!
تحقق ما سعى إليه اليمين الإسرائيلي طويلا، وهو قتل حل الدولتين. أولا في الميدان، من خلال تكثيف الاستيطان وتوسيعه وجعل مناطق السلطة الفلسطينية رقعا معزولة غير قابلة لإنشاء دولة عليها، إلى جانب إعاقة محادثات السلام على الدوام. والآن، تُوّجت هذه السياسة بموافقة أميركية رسمية من دونالد ترامب على التخلي عن حلّ الدولتين الذي كان بيل كلينتون قاب قوسين أو أدنى منه في كامب ديفيد قبل أسابيع من انتهاء ولايته، حين أدار محادثات فلسطينية إسرائيلية (كانت الحكومة الإسرائيلية في ذلك الحين تتشكل من الائتلاف الأكثر اعتدالا وقابلية للسلام في تاريخ إسرائيل؛ حزبي العمل وميرتس، بدعم خارجي من الكتلة العربية في الكنيست). لكن الخلاف استحكم على نسبة لا تزيد على خمسة بالمئة من الحل، ولا سيما بعض التفاصيل الخاصة بالقدس؛ ففشلت المفاوضات وبدأ اليمين الإسرائيلي هجمته المضادة لجعل هذه الفرصة مستحيلة مرة أخرى. وعلى الجبهة الفلسطينية، قامت "حماس" بالدور نفسه ضد الحل والسلطة الفلسطينية. وعلى الأرض، كان حل الدولتين يفقد مقوماته بفعل التغييرات الجغرافية العدوانية الحثيثة، وتهميش اليسار وقوى السلام في إسرائيل.
ترامب أعطى نتنياهو الجائزة الكبرى وعنوان القضية كلها، بالتخلي عن حل الدولتين، وفَتَحَ زمنا جديدا يتوج سياسيا كل ما سعت إليه إسرائيل (قبر حل الدولتين أيا كان حجم الدولة الفلسطينية). وقبل إعلان ترامب، لم تكن حكومات اليمين الإسرائيلي تجرؤ على رفض حلّ الدولتين رسميا؛ فهو عنوان الحل وفق الإجماع الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
صحيفة الغارديان البريطانية ذهبت مباشرة لالتقاط بديل "يجلب الأمل"، هو حل الدولة الواحدة المشتركة ثنائية القومية. ولاحظت الصحيفة أن أوساطا يهودية وفلسطينية متنامية ترى أن البديل الوحيد مع ضمور فرص حل الدولتين، هو الدولة المشتركة التي يحصل فيها جميع المواطنين على حقوقهم بالتساوي. وهو حل يغري فلسطينيي 48 ويمثل خلاصا معقولا لبقية الفلسطينيين. واليمين الإسرائيلي الذي يريد إسرائيل الكبرى لن يستطيع الاستمرار إلى الأبد بدولة "أبارتهايد" تقوم على الفصل العنصري.
فكرة الدولة ثنائية القومية ليست جديدة. والحقيقة أن رفضها كان دائما أقوى في الجانب الإسرائيلي، بيمينه ويساره؛ فهم يريدون دولة يهودية خالصة، ويعتبرون أعظم تهديد لإسرائيل هو تنامي نسبة السكان العرب فيها. وأقوى حجة يواجه بها اليسار نتنياهو واليمين المتطرف أنه بإلغاء حل الدولتين يفتحان الباب لطريق وحيدة هي تحول اليهود إلى أقلية في دولة واحدة تقوم على الفصل العنصري، منبوذة ومرفوضة دوليا.
اليمين يعرف أنه في مأزق بالنسبة للحل النهائي؛ إذ ليس لديه أي تصور بديل يقدمه للفلسطينيين أو المجتمع الدولي، فبديله الذي لا يستطيع أن يقوله هو بقاء الواقع القائم إلى ما شاء الله. فقضم المناطق رسميا يعني ضم السكان وإعطاءهم المواطنة، ولذلك يريد اليمين بقاء الوضع الراهن والاستمرار بقضم الأرض وتوسيع الاستيطان ودفع الفلسطينيين إلى المغادرة إلى أمد غير محدد، على أمل أنه في النهاية سيكون اليهود أغلبية ساحقة في كل فلسطين التاريخية باستثناء غزة. وعلى كل حال، فإن بقاء هذا الواقع الصراعي البغيض والعدوانية القذرة تجاه الشعب الفلسطيني يضمن لليمين استمرار سيطرته في المجتمع اليهودي نفسه.
فلسطينيا وعربيا، يجب الاستمرار مع حل الدولتين المقبول دوليا، والرد بتشديد الضغط على إسرائيل لدرجة أخذ قرار في القمة العربية المقبلة بتجميد معاهدات السلام وتثبيت المقاطعة العربية ما دامت إسرائيل تتنكر للحل بصورة نهائية. فحل الدولتين هو نفسه أداة الضغط للحل التاريخي الآخر البديل إذا أمكن يوما، وهو دولة مشتركة على كل أرض فلسطين للجميع على قدم المساواة.
الغد 2017-02-17