واشنطن وحلف «4 +2»
صحيفة وول ستريت جورنال تحدثت في تقرير لها عن مسعى أمريكي لإقامة حلف إقليمي جديد، يضم أربع دول عربية إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة ... هدف الحلف الذي يحاكي حلف شمالي الأطلسي بعض الشيء، التصدي للتهديد الإيراني المتزايد في المنطقة، باعتبار ذلك أولوية لا تتقدمها أي أولوية أخرى.
في التفاصيل، أن إسرائيل والولايات المتحدة، لن تقدما قوات للحلف الجديد، وستكتفيان بمدّه بالمعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي ... وأن المشاورات بهذا الشأن قد قطعت أشواطاً، ودائماً الرواية على ذمة الراوي.
من الجانب العربي، لا حديث من أي نوع عن أمر على هذا القدر من الأهمية والخطورة ... مع أن الناطقين في العواصم الأربعة، غالباً ما يسارعون لنفي أو تأكيد أي خبر يتعلق بحكومات هذه البلدان، حتى وإن نشر على موقع الكتروني مغمور أو تضمنته مقالة صحفية ناقدة ... الصمت حول هذا الموضوع يثير قلقاً بالغاً.
نفهم أن تكون لدى الدول العربية المذكورة وغير المذكورة (ثمة أحاديث عن دول أخرى ستنضم لاحقاً للحلف المذكور)، رغبة جامحة ومصالح عميقة مع الولايات المتحدة، الدولة الأعظم ... بيد أننا لا نفهم ولا نرى أية “قيمة مضافة” للمشاركة الإسرائيلية في حلف كهذا إن صحت المعلومات التي أوردتها الصحيفة المرموقة ... ولا نرى في قبول إسرائيل عضواً في هكذا “نادٍ” سوى نوع من “الأتاوة” التي يتعين على الدول العربية دفعها لكسب رضى واشنطن في عهد إدارة ترامب المنفلتة من كل عقال.
لن نتحدث مطولاً عن الأثر المدمر لهكذا تحالف على قضية شعب فلسطين (عفواً القضية التي كانت قضية العرب المركزية الأولى)، فالأثر معروف لكل أعمى وبصير: إسرائيل ستتسلح بـ “شرعية عربية” في حربها على الفلسطينيين وأرضهم وحقوقهم ومقدساتهم، ومشروعهم الوطني، مشروع الحرية والاستقلال، سيصاب بأكبر انتكاسة له، وعلى يد “الأشقاء” هذه المرة، وليس الأعداء.
ولكن ماذا عن الأثر الذي ستحدثه خطوة من هذا النوع – حال حصولها - على حروب حكومات الدول العربية ومشاريعها واستراتيجياتها لمحاربة التطرف والإرهاب؟ ... ماذا عن مستقبل علاقات هذه الحكومات والأنظمة مع شعوبها ومعارضاتها؟ ... ماذا عن أثر خطوة بهذا الحجم على مشاريع بناء “الشرعية” وترميمها وتجديدها، وأقصد شرعية الحكومات والأنظمة ؟
قد يقال في معرض تسويق خطوة كهذه وتسويغها، أن العرب سيشترطون حل القضية الفلسطينية ابتداءً، وتمكين شعب فلسطين من ممارسة حقوقه الوطنية المشروعة ... مثل هذا الأمر حصل من قبل، انضم العرب لجحافل “حفر الباطن” في حرب الخليج الثانية، مقابل وعود بالحل ودعوات لمؤتمر مدريد، وانخرطوا في تقديم التسهيلات لاحتلال العراق بعد ذلك بعقد من الزمان أو يزيد، ولم يحصلوا على أكثر من “خريطة طريق” ... واشنطن حصلت على مبتغاها، فيما وعودها للعرب ظلت حبراً على ورق.
نتنياهو كان أكثر وضوحاً من أسلافه من قادة إسرائيل: تل أبيب لن تدفع من كيسها (باعتبار الأراضي الفلسطيني المحتلة من كيسها) نظير تحالف من هذا النوع ... هو الأكثر حماسة لتحالف “عرب الاعتدال” مع إسرائيل، ولكن من على قاعدة مجابهة “العدو المشترك”، ووفقاً لنظرية “السلام مقابل السلام” و”الأمن مقابل الأمن” ... لا مطرح في حسابات نتنياهو لنظرية “الأرض مقابل السلام” ... و”الانسحاب الكامل مقابل التطبيع الشامل” ... هذه فرضيات مهمة لإلهاء الرأي العام العربي، عندما تلوكها ألسنة المتحدثين باسم حكوماتهم ... أما على الأرض، فلا مطرح جدياً لها في حسابات إسرائيل ونظريتها الأمنية.
ترامب، مثل نتنياهو، يرى إيران مصدر كل الشرور والعدو الأول للعرب وإسرائيل والعالم، ومحاربتها تستوجب محاولة “رص الصفوف” والانخراط في “الأطلسي 2”، وربما تكون هناك غرفة عمليات مشتركة بعنوان “البنيان المرصوص” كتلك الناشطة في درعا هذه الأيام ... وربما تتحمس بعض القوى الشعبية، الإسلاموية أساساً، لهكذا مشروع، انطلاقاً من فكرة “تقديم الجهاد ضد العدو الرافضي على الجهاد ضد العدو اليهودي”، وتعرض خدماتها على غرفة العمليات المذكورة ... لا ندري فنحن في زمن انقلاب الموازين وانهيار المسلمات والثوابت المتسارع... سيما وأن بعض العرب الفرحين بمجيء ترامب، بأجندته المجنونة، قد يرون فيه “فرصة “يتعين اغتنامها، حتى وإن اضطروا لدفع أفدح الأثمان ... مثل هذه المقاربة، هي ضرب من اللعب بالنار، التي ستحرق أول ما تحرق، أصابع اللاعبين فيها والنافخين في جمرها.
لسنا على بينة من صحة أو عدم صحة تقرير الصحيفة الأمريكية، لكننا في ضوء خبرة الماضي، واتجاهات الحاضر، لا نستبعد أن يصح المثل الدارج هذه المرة كذلك: “لا دخان من دون نار”.
الدستور 2017-02-18