صدمة نهاية العولمة

تم نشره السبت 18 شباط / فبراير 2017 12:53 صباحاً
صدمة نهاية العولمة
باسم الطويسي

قد يكون من المبكر الحكم بأن مجتمعات العالم باتت تغلق الأبواب مودعة حلم المواطنة العالمية؛ أي نهاية العولمة كما نُظر إليها مع بدايات تشكل النظام الدولي أحادي القطبية في بداية تسعينيات القرن الماضي، ولا حتى في جذورها المبكرة في عقد الستينيات. فالموجة الحالية من الرهانات الجديدة المتمثلة بالانكفاء على الذات وعودة الشعبوية وبروز الهويات المحلية واستعادة وهج القوميات، كما الخروج من التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى ومن اتفاقات التجارة العالمية والأقاليمية وعودة سياسات الحماية الاقتصادية، وأيضا بدايات التخلي عن القضايا والاهتمامات الانسانية المشتركة... هذه كلها ما تزال أعراضا لظاهرة تاريخية كبرى غير واضحة المعالم، فيما الواضح الوحيد فيها هو أن التغيير يسبق التنظير.
إلى اليوم، لا توجد لدينا أطر نظرية واضحة الملامح تفسر ما يحدث في العالم، وهو الأمر الذي سيبقى لوقت ليس بقليل. وعلينا إدراك أن هذا الأمر حدث مرات في التاريخ، بما يفسره منطق الدورات التاريخية. بينما علينا البحث عن جذور هذه الأعراض في القواعد المؤسسة للأنظمة الدولية والاقتصادية التي حكمت العالم على مدى نحو ثلاثة عقود. 
فقبل الوقوف على الأربعين مرسوما رئاسيا أو أكثر التي وقعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وشاع القول بأنه التوقيع على نهاية عصر العولمة، علينا الذهاب أعمق من ذلك؛ إلى سياسات الرئيس جورج بوش الابن في مطلع القرن، وفي مقدمتها حصار اتفاقية التجارة العالمية والانقلاب الأول على العولمة، وأحلام الإمبراطورية، وغيرها. وقبل أن نفكر طويلا بظاهرة الكذب والأخبار المزيفة على شبكة "فيسبوك"، وأزمة الإعلام التقليدي العالمي، علينا العودة إلى "ويكيليكس" وظاهرة الحكومات السرية في العالم المتقدم.
حتى مارك زوكربيرغ، مؤسس موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، لم يُخفِ في مقابلة إعلامية قبل أيام خشيته من أن الأدوات والشبكات التي وجدت من أجل تقريب الناس، تعمل ضد العولمة وتقريب الناس؛ إذ إن دور هذه الشبكات في تقريب الناس أصبح اليوم مثار جدل، داعيا إلى ما يسميه العمل على تشييد بنى تحتية اجتماعية طويلة المدى لإنقاذ العولمة واستعادة الثقة بالنظام الاتصالي العالمي.
الجذر العميق للأشكال المتعددة من تفسخ العولمة يبدو في أن حلم العالم الواحد بات سرابا فعليا، حينما ثبت للناس أن فكرة "المجتمع العالمي الذي يعمل من أجل الجميع" لم تكن إلا مجرد خدعة، أو على أقل تقدير فكرة لم تتحقق. وهذا ما يذهب إليه روشير شارما مؤلف كتاب "صعود وانهيار الأمم"، والذي يشير إلى أن الاقتصادات الأكبر لـ46 دولة في العالم، تشهد بشكل متزايد ظاهرة سوء توزيع الثورة وتفشي عدم العدالة الاقتصادية بشكل عام.
الأمر الآخر الصادم في التحولات العالمية في ملف العولمة الاقتصادية والسياسية والاتصالية، هو أن الصراع يبدأ في مطابخ الدول والمجتمعات التي احتضنت هذه الظاهرة وروّجت لها، وكانت المستفيد الأكبر منها، بينما المجتمعات التي صنفت نفسها بأنها ضحية العولمة وحاولت مقاومتها، لا علاقة لها بشكل مباشر بما يحدث اليوم. حتى الحركات الاجتماعية والسياسية التي قاومت العولمة في تسعينيات القرن الماضي وقادت تظاهرات كبرى ضد اتفاقية التجارة العالمية وغيرها، نجدها قد اختفت أو لا صوت لها. وربما هذا أيضا من أعراض الظاهرة العالمية الجديدة، وربما لأن ما يحدث اليوم بالنسبة لجنوب العالم ولليسار الاجتماعي أسوأ من سوءات العولمة ذاتها.

الغد 2017-02-18

 

 


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات