يا للعار!
يحرقون –ونقابة المعلمين تتفرج- كتباً مدرسية تحتوي آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة، كما إنها كتب تُعد مالاً عاماً؛ وذلك احتجاجاً على تعديلات جزئية ومناقلات بسيطة فيها لم تمس المحتوى، فهم لم يطلعوا عليها أو يتبينوا أمرها كما أمرهم الله.
لقد تم الحرق علناً و"على الرّيحة"؛ ريحة التأجيج والتحريض والتعبئة والضخ الجائر لمشاعر الجمهور في مواقع التواصل الاجتماعي التي صنعها "الغربيون الكفار"، ومن على منابر مساجد، والمظاهرات في الشوارع... غير اللائقة بسياسة الدولة المسلمة التي يحصلون على رواتبها وعلاواتهم منها.
ولما كان الأمر كذلك، فأيهما أكبر ذنباً: الذين دفعوا الوزارة إلى إجراء تلك التعديلات الجزئية والمناقلات البسيطة، أم الذين حرقوا الكتب المشتملة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟! لقد أوصلوا المجتمع بالتضليل الإلكتروني والتحريض والتعبئة والضخ الجائر والتكفير حد الجنون وحافة الهاوية!
طالما اتهم المؤرخون والمستشرقون السلف بحرق مكتبة الإسكندرية؛ المكتبة الأكبر في التاريخ القديم، بعد فتحهم مصر في القرن السابع الميلادي، وطالما أجهدنا أنفسنا وعلّمنا تلاميذنا وتلميذاتنا، أنها تهمة باطلة مستشهدين بقوله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ"، وبحديث رسوله: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، وبحديثه: "اطلب العلم ولو في الصين"، وبحديثه: "مداد العلماء أعظم من دماء الشهداء"... وهكذا، لإبطال التهمة. ثم يأتي الخلف بكل قوة وعلنية ليحرقوا الكتب علناً في القرن الحادي والعشرين. لقد رأى العالم كله حرق هؤلاء لها في الوقت الحقيقي، وتفرج عليهم وهم يحرقونها مبتهجين.
لقد تسرعت عندما أيدت تصريحاً لنقيب المعلمين في أعقاب فوزه، وأنا أسحبه الآن بعدما رأيت وقرأت وعرفت عن العقلية التي تدير النقابة. كنت أتوقع مثل هذه التعبئة ضد المشاهد الإباحية والمنافية للأخلاق في الكمبيوتر والتلفاز والهاتف الخلوي الذي لم يبق طفل لا يحمله، لحمايته من أخطار واضحة عليه، أو ضد عقد امتحان التوجيهي مرة واحدة في السنة لا مرتين، لأن المرة الواحدة ستدفع التلاميذ للغش بكل السبل تجنباً لانتظار سنة كاملة للامتحان المقبل. لأتبين فيما بعد أن هذا الأمر لا يهمهم ولا يهم الأهلين ولا يهم وزارة التربية والتعليم.
قال مارك توين مرة: "لكم أفضل جهلي على ما يعرفه أي إنسان آخر، لأنني أربح كثيراً به".
الغد 2017-02-24