شعار إسقاط الحكومة!
بعض التحليلات يربط مستقبل حكومة د. هاني الملقي بما سيحدث اليوم في الشارع؛ أي حجم التظاهرات التي تطالب بإقالة الحكومة. ونتذكر أن المطالبات بإقالة حكومة د. عبدالله النسور لم تتوقف منذ سنتها الأولى، واشتدت مع النصف الثاني من عمر البرلمان السابع عشر واستمرار برنامج التصحيح المالي وفقا للتفاهمات مع صندوق النقد الدولي، وتم نيابيا رفع 4 مذكرات لحجب الثقة على الأقل، فشلت جميعها في تحقيق هدفها.
الجميع يعرف أن المشكلة ليست في الملقي كشخص، بل في السياسات والقرارات؛ وهي عابرة للحكومات ولا يرتبط تغيير الحكومة بها، بل باعتبارات أخرى. ولو تمت إقالة الحكومة لامتصاص الضغوط والاحتجاجات، فلن يتم اختيار بديل سندا لما يمثله من توجه سياسي اقتصادي؛ فرؤساء الوزارات لا يأتون ممثلين لتيار سياسي وفكري وبرامجي. وإلى أن يتحقق الإصلاح السياسي العتيد، بوجود برلمان سياسي حزبي، فإن طبيعة تكوين الحكومات ستبقى ضمن الصيغة السائدة. ولا أعتقد أن ذلك يغيب عن الذين يهتفون بتنحية الملقي، إلا أنها الطريقة الشعبية المباشرة للتعبير عن الرفض للسياسات الحكومية والمطالبة بنهج بديل. لكن هل يوجد حقا نهج بديل؛ نهج يحقق الإيرادات المطلوبة ويمكّن من الوفاء بالالتزامات من دون المزيد من رفع الضرائب والأسعار؟
الحكومة بدأت حملة مضادة قد تتوسع في الأيام المقبلة لإثبات أن الحملة عليها ظالمة، وأن الأسعار على الفئات الشعبية لا ترتفع. وقد نشرت الحكومة أول من أمس على الصفحة الأولى في الصحف، إعلانا بنصف صفحة يبين السلع والخدمات التي لم تتأثر بالرفع؛ كما قد تقدم إحصاءات تبين السلع التي انخفض سعرها عن العام الماضي والذي قبله، بما في ذلك البيض واللحوم. وبالطبع، يمكن التذكير بأن أسعار المحروقات تراجعت كثيرا مع انخفاظ أسعار النفط عالمياً، وأن الكلفة الإجمالية للنفط على الأردن نزلت إلى النصف، ما يعني أن الأسعار والتضخم بشكل عام تراجع عما كانت عليه الحال قبل عامين، بحسب ما تبين ذلك نشرات دائرة الإحصاءات العامّة.
صحيح أن هناك انخفاضا في التضخم، لكنّ هناك أيضا تراجعا في النمو. ومتوسط المستوى المعيشي للجمهور يتراجع، والبطالة تتسع ويسود التشاؤم بالنسبة للمستقبل. ويبدو أن السياسات الحكومية لسد العجز تخدم فقط هدفا آنيا، ولن يترتب عليها أي تحسن في المستقبل.
صحيح أن أي رؤية اقتصادية خلّاقة لن تكون لها انعكاسات مباشرة وآنية، حتى بافتراض أن الحكومة ستلتزم بتطبيقها. لكن وجود تصور مقنع مرتبط بإجراءات أولية ملموسة تتخذها الحكومة هذا العام كعربون التزام للمستقبل، سيمنح الشرعية لبقاء هذه الحكومة. والبرنامج يجب أن يكون له جناحان: زيادة الإنفاق الاستثماري، وتقليص الإنفاق الجاري. وفي الجانب الثاني، كنا أشرنا إلى قصور الإجراءات الحكومية. وإذا أردنا الشفافية، فلنتكاشف حول حجم الإنفاق في كل بند، وما هي نسبة التقليص الممكنة ضمن إجراءات فعالة، ويمكن أن نعد عشرة مجالات يمكن فيها تقليص الإنفاق إلى النصف.
وفي مجال الإنفاق الاستثماري، تحدثنا عن توفير الموارد من الأثرياء لمصلحة صندوق عام يوجه المال للاستثمار من خلال قانون خاص، بدل التوسع في ضريبة الدخل. وكما قلنا المرة تلو المرة، فإننا نحصّل ضريبة دخل من الأثرياء أقل من أي دولة أخرى؛ أكان ذلك بسبب التهرب الضريبي أم القانون نفسه، ولو حصلنا المعدل العادل، وهو ما لا يقل عن 7 % من الناتج الوطني الإجمالي، لرفعنا العوائد من ضريبة الدخل بأكثر من ملياري دينار، تعادل أربعة أضعاف المبلغ الذي ترجو الحكومة تحصيله من رفع الأسعار.
الغد 2017-02-24