هل أميركا مرتبكة؟

تم نشره الخميس 02nd آذار / مارس 2017 12:39 صباحاً
هل أميركا مرتبكة؟
موسى شتيوي

الولايات المتحدة التي قادت المعسكر الغربي منذ الحرب العالمية الثانية خلال الحرب الباردة، وساهمت بسقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، وقادت العالم بشكل أحادي لأكثر من 25 عاماً، يبدو أنها تمرّ في حالة من عدم اليقين حيال العديد من القضايا المحلية والعالمية. إنها تعيش اليوم في حالة من الارتباك غير المسبوق، وتمر في مرحلة البحث عن الذات وعن القيم التي تميزت بها خلال العقود الماضية.
في العقد الماضي، دخلت أميركا في حروب مكلفة. صحيح أنها لم تخسر هذه الحروب، وبخاصّة في أفغانستان والعراق، لكنها بالتأكيد لم تربحها. فقد احتلت أفغانستان للقضاء على "القاعدة" و"طالبان". وبالرغم من مرور عقد ونيف على هذه الحرب، فإن "طالبان" ما تزال قوية، وباتت تهدد الحكومة الأفغانية والسلام في تلك المنطقة. ومن ثمّ؛ فإنه لم يتحقق الهدف المعلن من الحرب.
كذلك الحال في غزو العراق. فبعد احتلاله وجدت أميركا نفسها غارقة في حرب عصابات مكلفة جداً. وبعد أن حلّت الجيش العراقي تركت البلد مدمراً وغارقاً في حرب أهلية طائفية قاسية في ظل سيطرة إيرانية شبه تامة على العراق وقراره السياسي. لقد خاضت أميركا حربها على العراق بحجة دعمه للإرهاب ووجود أسلحة دمار شامل تبين لاحقاً أنها لم تكن أكثر من مبرر لإسقاط نظام الحكم في العراق الذي أصبح مرتعاً للإرهاب لاحقاً.
الحروب التي خاضتها أميركا في أفغانستان والعراق كانت كلفتها عالية جداً مالياً؛ إذ بلغت مئات المليارات، وبشرياً آلاف القتلى والجرحى. وعلى المستوى الداخلي، فإن الآلاف من الجنود الأميركيين قد قتلوا، ولكن أيضاً عاد للولايات المتحدة عدد كبير نسبياً لا يعرف سوى الحرب والقتال، وأصبحوا معزولين في بلدهم الأصلي، ويعانون من اضطرابات نفسية نتيجة الحرب، ويشكلون خطراً على السلم الأهلي.
الأزمة الاقتصادية في العام 2008 كانت لها نتائج كارثية على الاقتصاد الأميركي. وبالرغم من اتخاذ الحكومة إجراءات اقتصادية لوقف الأزمة، إلا انها استمرت لفترة طويلة ولم تتخلص من آثارها بعد.
بعد ذلك جاء "الربيع العربي" وحدثت الصراعات الداخلية التي تمخضت عنه لتبين محدودية الولايات المتحدة بالسيطرة على الأحداث، لكن من حيث الآثار السلبية. فقد جاءت الحرب والصراع الداخلي بسورية ليكشفا عجز السياسة الأميركية وضعفها في المنطقة، ما أفسح المجال لدخول روسيا لسورية، وقلب موازين القوى في المنطقة، بحيث أصبح النفوذ الأميركي في المنطقة شبه غائب أو ضعيفاً لأبعد الحدود. نتيجة لذلك، شعر حلفاؤها الإقليميون بالإحباط، وبتخلي أميركا عن دعمهم. والاتفاق النووي مع إيران لم يتبعه حدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، وأصبحت إيران تمتلك مفاتيح القرار في عواصم عربية عدة، وازدادت حدّة الصراعات الإقليمية نتيجة لذلك.
حالة الإرباك التي تعيشها أميركا اليوم لم تبدأ مع ترامب، كما يعتقد الكثيرون، ولكنها أدت لفوزه برئاسة الولايات المتحدة، وهو -من دون شك- ساهم في إظهار حالة الإرباك هذه. ونتيجة لذلك، فقد دخلت في مخاض عسير، ويبدو أنها تمر بحالة من التخبط وعدم الاتزان سواء كان ذلك بالعلاقات بين الأطراف السياسية، أو الاقتصاد الأميركي أو الملفات العالمية العالقة إقليمياً، أم العلاقات مع الحلفاء، وبخاصة مع الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي. ولطالما تفاخرت أميركا بقدرتها على فسح المجال لجميع الجنسيات، لكنها باتت تضيق ذرعاً ببعض آلاف من اللاجئين السوريين.
من المبكر الحكم على الإدارة وعلى قدرتها على ترتيب البيت الداخلي الأميركي، وتحديد الأولويات وإعادة الانطلاق مجدداً وبالحيوية الكافية، واستعادة زمام المبادرة على الصعيدين العالمي والمحلي.

الغد 2017-03-02



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات