معارك تستند لنبوءات دينية
مفارقة بالغة الغرابة نعيشها هذه الأيام ضمن صراعات المنطقة، إن كان الصراع العربي الصهيوني، أم الصراع مع المشروع الإيراني، إذ تنهض أحلام كبرى لأطراف متعددة من أديان ومذاهب شتى، كلها تحيل انتصاراتها المأمولة إلى نبوءات دينية؛ على تناقض سافر؛ بل صارخ بين تلك النبوءات.
ومع مجيء ترامب، اكتملت دائرة النبوءات، لتشمل اليهود والمسيحيين المتدينين، بعد أن كانت تشمل المسلمين في الدائرتين الشيعية والسنيّة، ولنكون أمام مشهد مثير لمن يتأمل.
في الحالة الأولى؛ الإسلامية أعني، يقاتل كثيرون من أتباع خامنئي في سوريا والعراق واليمن لأن ذلك ضرورة ومقدمة لظهور المهدي الذي يرون أنه أخفي طفلا في السرداب هربا من بطش العباسيين في القرن الثالث الهجري، ولم يخرج رغم توالي القرون عليه، ويعتقدون أن الانتصار الشيعي في سوريا والعراق؛ وربما اليمن، هو الذي سيتكفل بخروجه “ليملأ الأرض عدلا كما مُلئت جورا”، مع التذكير أن هناك من بين الشيعة من ينكر ولادته أصلا، كما هو حال المفكر العراقي أحمد الكاتب.
ومع صيحات “يا حسين”، و”لن تُسبى زينب مرتين”، و”عج”، يخوض أولئك القوم معاركهم، من دون التأمل في حقيقة التناقض بين شعارات الحسين وبين تلك المعارك التي يخوضونها، من حيث نصرتها لطاغية في سوريا، أو تحالفها مع طاغية في اليمن.
على الجانب الآخر، خاض تنظيم داعش معاركه وفق قصة “دابق”، وهي المعركة الكبرى التي تسبق “الدجال”، و”نزول المسيح”، وحينا آخر ضمن حديث عودة “الخلافة على منهاج النبوة”. وهو ما ينطبق على جبهة النصرة (فتح الشام، ثم تحرير الشام) التي تحدث بعض منظريها عن الملاحم الكبرى، وعن الخلافة استنادا إلى الحديث المذكور أيضا.
في الجانب الآخر؛ المسيحي واليهودي تنهض مقولات مشابهة، وهنا يتحدث اليهود عن اقتراب بناء الهيكل الذي يقرؤون عنه في آثارهم، وذلك بفضل ترامب الذي يتبنى دعم الكيان الصهيوني بكل قوة. أما اليمين المسيحي، بخاصة في أمريكا، فيتحدث عن حرب “يأجوج ومأجوج”، أحيانا، وعن مجيء المسيح المخلص بعد تجميع اليهود في فلسطين، ووقوع معركة “هرمجدون” الفاصلة التي سيُخيَّر اليهود في نهايتها بين المسيحية أو القتل (هناك مقال لكبير المستشارين الاستراتيجيين لترامب؛ ستيف بانون يتحدث عن حتمية اندلاع “حرب يأجوج ومأجوج”).
هكذا ينتظر كلٌ خلاصه بالطريقة التي يراها، ومن أجل ذلك يخوض معاركه، ويرى بطبيعة الحال أن الله عز وجل معه، وسيُسانده ويمنحه الانتصار لأنه على الحق (لا نساوي هنا بين الفرق المذكورة بكل تأكيد)، مع أن التجارب التاريخية لجميع الأديان لا تؤكد أبدا أن الحق (بمعيار أهله بطبيعة الحال) هو الذي ينتصر بالضرورة، فقد شُرّد اليهود في الأرض، وحرقهم هتلر، وهم يعتقدون أنهم “أبناء الله” الذين فضّلهم على سائر خلقه، وصُلب المسيح بحسب اعتقاد المسيحيين وهو على الحق، وهُزم حملة الصليب في معارك شتى، الأمر الذي ينطبق على الحالة الإسلامية (الشيعية)، إذ هُزم الحسين أمام يزيد، كما هزم كثيرون من حملة المذهب الشيعي بعده، تماما كما في الحالة السنيّة (الحسين موضع إجماع المسلمين)، وحيث خاض المسلمون معارك شتى هُزموا فيها حين لم يسعفهم ميزان القوى بمعناه الشامل، وانتصروا في أخرى كثيرة حين تهيأت الظروف لذلك.
والخلاصة أن الإيمان، بخاصة الإيمان الحق يضاعف من القوة الطبيعية (قد تصل كما في القرآن الكريم إلى 10 أضعاف.. إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين.. وغالبا الضعف.. مئة يغلبوا مئتين- الآية-)، لكنه لا يكسر كل موازين القوى، والنتيجة أن هذه الصراعات الدائرة ستحكمها موازين القوى الداخلية والخارجية (بمعناها الشامل مرة أخرى)، وهي سنّة الله في الكون (قد يُستثنى الأنبياء وقد يُقتلون، كما في صريح القرآن ووقائع التاريخ)، وحتى حين يأتي زمن النبوءات (الصحيحة طبعا)، فستتحقق أيضا ضمن موازين القوى، بمعناها الشامل، وليس بالمعجزات. والله أعلم.
الدستور 2017-03-05