معارك تستند لنبوءات دينية

تم نشره الأحد 05 آذار / مارس 2017 12:38 صباحاً
معارك تستند لنبوءات دينية
ياسر الزعاترة

مفارقة بالغة الغرابة نعيشها هذه الأيام ضمن صراعات المنطقة، إن كان الصراع العربي الصهيوني، أم الصراع مع المشروع الإيراني، إذ تنهض أحلام كبرى لأطراف متعددة من أديان ومذاهب شتى، كلها تحيل انتصاراتها المأمولة إلى نبوءات دينية؛ على تناقض سافر؛ بل صارخ بين تلك النبوءات.
ومع مجيء ترامب، اكتملت دائرة النبوءات، لتشمل اليهود والمسيحيين المتدينين، بعد أن كانت تشمل المسلمين في الدائرتين الشيعية والسنيّة، ولنكون أمام مشهد مثير لمن يتأمل.
في الحالة الأولى؛ الإسلامية أعني، يقاتل كثيرون من أتباع خامنئي في سوريا والعراق واليمن لأن ذلك ضرورة ومقدمة لظهور المهدي الذي يرون أنه أخفي طفلا في السرداب هربا من بطش العباسيين في القرن الثالث الهجري، ولم يخرج رغم توالي القرون عليه، ويعتقدون أن الانتصار الشيعي في سوريا والعراق؛ وربما اليمن، هو الذي سيتكفل بخروجه “ليملأ الأرض عدلا كما مُلئت جورا”، مع التذكير أن هناك من بين الشيعة من ينكر ولادته أصلا، كما هو حال المفكر العراقي أحمد الكاتب.
ومع صيحات “يا حسين”، و”لن تُسبى زينب مرتين”، و”عج”، يخوض أولئك القوم معاركهم، من دون التأمل في حقيقة التناقض بين شعارات الحسين وبين تلك المعارك التي يخوضونها، من حيث نصرتها لطاغية في سوريا، أو تحالفها مع طاغية في اليمن.
على الجانب الآخر، خاض تنظيم  داعش معاركه وفق قصة “دابق”، وهي المعركة الكبرى التي تسبق “الدجال”، و”نزول المسيح”، وحينا آخر ضمن حديث عودة “الخلافة على منهاج النبوة”. وهو ما ينطبق على جبهة النصرة (فتح الشام، ثم تحرير الشام) التي تحدث بعض منظريها عن الملاحم الكبرى، وعن الخلافة استنادا إلى الحديث المذكور أيضا.
في الجانب الآخر؛ المسيحي واليهودي تنهض مقولات مشابهة، وهنا يتحدث اليهود عن اقتراب بناء الهيكل الذي يقرؤون عنه في آثارهم، وذلك بفضل ترامب الذي يتبنى دعم الكيان الصهيوني بكل قوة. أما اليمين المسيحي، بخاصة في أمريكا، فيتحدث عن حرب “يأجوج ومأجوج”، أحيانا، وعن مجيء المسيح المخلص بعد تجميع اليهود في فلسطين، ووقوع معركة “هرمجدون” الفاصلة التي سيُخيَّر اليهود في نهايتها بين المسيحية أو القتل (هناك مقال لكبير المستشارين الاستراتيجيين لترامب؛ ستيف بانون يتحدث عن حتمية اندلاع “حرب يأجوج ومأجوج”).
هكذا ينتظر كلٌ خلاصه بالطريقة التي يراها، ومن أجل ذلك يخوض معاركه، ويرى بطبيعة الحال أن الله عز وجل معه، وسيُسانده ويمنحه الانتصار لأنه على الحق (لا نساوي هنا بين الفرق المذكورة بكل تأكيد)، مع أن التجارب التاريخية لجميع الأديان لا تؤكد أبدا أن الحق (بمعيار أهله بطبيعة الحال) هو الذي ينتصر بالضرورة، فقد شُرّد اليهود في الأرض، وحرقهم هتلر، وهم يعتقدون أنهم “أبناء الله” الذين فضّلهم على سائر خلقه، وصُلب المسيح بحسب اعتقاد المسيحيين وهو على الحق، وهُزم حملة الصليب في معارك شتى، الأمر الذي ينطبق على الحالة الإسلامية (الشيعية)، إذ هُزم الحسين أمام يزيد، كما هزم كثيرون من حملة المذهب الشيعي بعده، تماما كما في الحالة السنيّة (الحسين موضع إجماع المسلمين)، وحيث خاض المسلمون معارك شتى هُزموا فيها حين لم يسعفهم ميزان القوى بمعناه الشامل، وانتصروا في أخرى كثيرة حين تهيأت الظروف لذلك.
والخلاصة أن الإيمان، بخاصة الإيمان الحق يضاعف من القوة الطبيعية (قد تصل كما في القرآن الكريم إلى 10 أضعاف.. إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين.. وغالبا الضعف.. مئة يغلبوا مئتين- الآية-)، لكنه لا يكسر كل موازين القوى، والنتيجة أن هذه الصراعات الدائرة ستحكمها موازين القوى الداخلية والخارجية (بمعناها الشامل مرة أخرى)، وهي سنّة الله في الكون (قد يُستثنى الأنبياء وقد يُقتلون، كما في صريح القرآن ووقائع التاريخ)، وحتى حين يأتي زمن النبوءات (الصحيحة طبعا)، فستتحقق أيضا ضمن موازين القوى، بمعناها الشامل، وليس بالمعجزات. والله أعلم.

الدستور 2017-03-05



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات