المدن الذكية
أقر مجلس الوزراء "نظام العمل المرن". وهو فكرة مبتكرة، اهتم جلالة الملك شخصيا بإعلانها بتعليق على "تويتر" بمناسبة يوم المرأة العالمي، لأهميتها للنساء خصوصا. وفي اليوم نفسه قرأنا تصريح أمين عمان عن نية الأمانة رفع مشروع النقل الإداري للحكومة، وهو يتعلق بترتيب نقل الموظفين القادمين إلى عمان من المدن المحيطة بوسائل نقل عامة من أماكن تجمع لهم إلى مكان عملهم بالعاصمة، لتوفير استخدام السيارات الخاصّة. هذه أمثلة من مروحة واسعة من العمليات التي يمكن أن تصنع ما يطلق عليه "المدن الذكية"؛ أي المدن التي تنظم كل شيء بطريقة مبتكرة لراحة ورفاهية الانسان. ويوفر عصر المعلوماتية والتقنية الرقمية فرصا جديدة لتغيير مفهوم الحياة في المدن، إذا ما تم الانفتاح على كل الأفكار الذكية البديلة لجعل الحياة في المدن أكثر إنسانية وجمالا.
عمان تحولت الى مدينة لا تحتمل. كل شيء انتهى بأسوأ طريقة بالنسبة لحياة البشر فيها؛ إنها حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة، زحمة السير تلوث الهواء، أماكن العمل، مدارس الأولاد، التسوق، الخدمات، مصاف السيارات، تعقيد المعاملات في المكاتب والوزارات. مجرد أن يقول لك الموظف ارجع بكرة لموضوع تافه، يعني ذلك كلفة كبيرة في الوقت والمال والجهد يسمم الحياة. والجميع يفرغ توتره على غيره، ويتمظهر ذلك في العداء للحيز العام والكراهية والمشاعر غير الصديقة لكل شيء خارج زجاج سيارتك أو باب بيتك. مدينة يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين وسياراتها مليونا. أناس بدخل متدن يضطر كل واحد منهم أن يمتلك سيارة لأن النقل العام سيئ وأماكن العمل بعيدة، فينفق نصف دخله على جر ثلاثة أطنان من الحديد معه للتنقل وحرق الوقود الملوث بسبب قدم السيارة التي ينفق أيضا جهدا ووقتا ومالا لصيانتها المستمرة لدى كراجات يخرب بعضها أكثر مما يصلح.
في المدن الكبيرة هناك أمور لا يمكن تجنبها. ولا توجد موازنات لحل كل المشاكل، لكن توجد أفكار ذكية للالتفاف على المشاكل وحلها. الابتكار في التفكير خارج الثوابت التي تقيد حياتنا وكأنها منزّلة وهي من صنع أيدينا، وخذ موضوع الدوام فقط. فالنظام المقترح يبدو كأنه يخاطب القطاع الخاص ولماذا ليس القطاع العام والحكومة أيضا؟ لماذا كل البلد يجب أن يداوم من الثامنة صباحا إلى الثالثة أو الرابعة عصرا، ويضطر الموظف أن يأخذ إجازة من البنك أو الشركة ليراجع دائرة حكومية؟ ماذا لو قسمنا الدوام إلى مرحلتين؛ صباحية ومسائية، بل وإلى 3 "شفتات" مثلا، في الثامنة والعاشرة والثانية عشرة، فنقلل اكتظاظ الدوائر؟ ويمكن لأكثر من موظف إتقان أكثر من عمل، فنوفر أماكن ونقلل الزحام ونحسن الأداء؛ إذ يتوزع التنقل والعمل على مدار ساعات النهار. والأمر ينطبق على الجامعات والمدارس؛ إذ يمكن مواءمة دوام الأم أو الأب مع دوام الأبناء. وهذه واحدة فقط من المقترحات لتخفيف الزحام وتجاوز التعقيدات وتحسين الخدمة. والمقترح ليس جديدا بالمناسبة، لكن آخر ما نتوفر عليه هو الديناميكية والابتكار.
أكثر من ذلك، لماذا يتوجب على المواطنين أن يراجعوا في مكان واحد يغص بمئات الموظفين والمراجعين، بدل تقليص المركز للإشراف وتوزيع الإدارة على مكاتب فرعية؛ فيكون لكل حي مجمع حكومي صغير؟ ويمكن استغلال الاتصال الرقمي لتوفير آلاف المعاملات والتنقلات والأوراق. لقد حان الوقت للاقتداء بأكثر المفاهيم تقدما في التطوير الحضري. ونتحدث أيضا عن الطاقة والبيئة وتدوير النفايات.
يبدو أمين عمان عازما على المضي قدما بهذا الاتجاه، ونحن نشد على يده. والأمر يخص الحكومة أيضا. ويمكن عمل مختبر مشترك لإنتاج الأفكار ليس لعمان فقط، بل لكل المدن الرئيسة في الأردن.
الغد 2017-03-10