شروط أولية لإبداعنا
نحن لا نواجه الطبيعة. لا نتأمل ظواهرها. لا نتوسم جمالها أو نتهيب جلالها.
نحن قلّما تستوقفنا المشاهد الكونية وما يكون من اختلاف الليل والنهار, ومن صفاء الافاق او تلبّدها بالغيوم.
نحن قلّما نرفع ابصارنا عن جدران منازلنا وعن اسفلت شوارعنا وقلما نتجاوز دوائرنا الذاتية (أو الجماعية) الى دوائر الوجود القصيّة وافلاكه المتراحبة.
حتى في حال اقتصارنا على خاص أمرنا وما نتقلّب فيه من شبكات الاسباب فإن قلّة قليلة منا تستغرقها العوالم النفسية التي تشير اليها الآية الكريمة عن الافاق والأنفس. فما ثمة سبر لما وراء القشرة الخارجية للذات وما ثمّ نظر في غير اساليب تكيّفها مع الاخرين.
انقطاعنا عن الطبيعة بما هي مهاد ومستراد, وانقطاعنا عن أعماقنا الداخلية ووعينا الباطن المشتمل على مذخوراته وعوالمه, واكتفاؤنا بالعقل المتكيّف دون العقل المتدبر, كل اولئك جعل قدرتنا على الابداع في ادنى درجاتها.
انها ثلاثة شروط للابداع غفلنا عنها او تنكبناها, فآفاق الكون وآفاق النفس وطرائق النظر الصحيح إن هي أعوزتنا فقل على الانسان – من حيث حامل امانة العقل وارادة الاخلاق – السلام, وإن نحن اخذنا منها بنصيب فذلكم هو نصيبنا من حكمة الوجود وبهجة الحياة على حد سواء, وإن من نعم الله سبحانه على البشر أنهم مهيأون في اصل فطرتهم لأن يحققوا الفاعلية المثلى لهذه العناصر في حيواتهم, فهي مجتمعة, وبميزان غير ذي تخسير, قوام خلافتهم في الارض, وأساس تكريمهم, ومناط ايمانهم البصير, ومعقد ارادة الخير فيهم..
ولما كان لله جل جلاله المثل الاعلى, فهو «كل يوم هو في شأن» من قيوميّته, وهو بديع السماوات والارض, فإن لنا ان نتمثل – في ضوء من ذلك – ضرورة أن يكون الانسان كل يوم في نظر متجدّد وابداع مستمر, وأن يستلهم ما استطاع آيات ربّه (الخالق البارئ المصوّر) وأن يتميّز عن جميع الكائنات المسبّحة لله بأن يكون متفرّداً بتسبيحه الاراديّ الواعي وبيقظته الروحية على جمال وجلال فاطره وفاطر السماوات والارض العليّ القدير.
ثم إن الانسان, وعلى أي وجه كان, لن يتم تمامه الا في ظلال اسماء الله الحسنى. وفي ذلك فلينافس المبدعون.
الراي 2017-03-11