لن تسكت المآذن
يقر الكنيست الاسرائيلي بقراءة اولية، منع رفع الاذان في مدينة القدس، وفلسطين المحتلة عام 48 والارجح ان الكنيست سوف يقر المشروع ليتحول الى واقع نهاية المطاف.
لكن الغضبة العربية بشأن رفع الاذان، مطلوبة اسرائيليا، لان اسرائيل تريد ان تتمحور اليوم قصة القدس وحسب، حول رفع الاذان، وغرامات رفعه في المدينة المحتلة، بل ان احد العباقرة العرب، اقترح ان يواصل المقدسيون رفع الاذان وان تبدأ حملة تبرعات عربية وفلسطينية لدفع الغرامات، وهذا عجز آخر الزمان، حين يتحول الاذان الى ممول لاسرائيل عبر رفعه، ثم دفع الغرامة، لخزينة الاحتلال التي تمول ايضا الجيش الاسرائيلي.
اسرائيل تريد ان تتركز الحملة الغاضبة على الاذان، لانها تعرف ان الحملة مؤقتة، وسرعان ما يبرد الغضب العربي، وهي هنا، تخفي الملفات الاخطر بخصوص المدينة، وتتوارى وراء قصة الاذان، على اهميتها ورمزيتها، ومغزاها من حيث عروبة المدينة، والهوية والدين.
اين العرب اساسا، من الملفات الاخطر، التي تتعلق بتهويد كل المدينة، وبناء الكنس اليهودية، وشراء البيوت عبر وسطاء، وسرقة الارض، ومصادرة املاك الغائبين، وسحب الهويات، وسياسات التفقير عبر الضرائب، ومنع العمل، ونشر المخدرات، وبناء المستوطنات في ذات القدس، وحزامها الريفي المحيط بها؟!
هذه الملفات الغائبة والاخطر، كلها تصب باتجاه واحد، اي تغيير هوية المدينة، وخلخلتها، وتدمير بنيتها الاجتماعية، وكلنا يعرف ان تدمير هذه البنية اجتماعيا واقتصاديا، يؤدي مباشرة الى اضعاف السوار الاجتماعي الذي يحمي المقدسات.
رفع الاذان، فيه ابلاغ بالصلاة، ومظهر ديني، وهو ايضا، جزء من هوية المدينة، ومنع الاذان، بعد التذكر الاسرائيلي المتأخر انه يزعج المستوطنين، يراد منه رفع درجات تهويد المدينة، فلم تكن بقية الملفات على ما يرام، وجاءت هذه الخطوة، منفردة واستفزازية.
الكارثة التي تورط بها الوعي العربي، ايضا، من حيث لا يعلم، ترميز قضية القدس، بطريقة تمحق بقية القضايا، او تخفف من حضورها، وكلنا يرقب كيف يتم التركيز على الاذان في الحرم القدسي، ومساجد القدس، ويتناسى اغلبنا مساجد فلسطين 48، والعربي الذي يتورط بحضور القدس الطاغي في الوجدان، لا يتلفت الى بقية المساجد خارج القدس، برغم انها ايضا تعبير مباشر، عن عروبة فلسطين.
هنا، لا نحن منعنا مس القدس، بذريعة اولويتها، ولا نحن فطنا الى فلسطين 48، بل ان الخديعة تكتمل باعتبار اغلبنا ان التركيز هو فقط على القدس، وارض الضفة الغربية، باعتبارهما ارض الدولة الفلسطينية المنتظرة، فيما فلسطين 48 باتت اسرائيلية باعترافات جماعة اوسلو، لا غيرهم، وكأن هذا الوعي الجديد، المرتبط بأوسلو، يلتقي مع صورة القدس الطاغية وجدانيا، ليخرج في الحسبة النهائية، كل ما يخص فلسطين 48.
ثم ان علينا ان نتنبه الى ان النزيف في الاحساس العربي، جراء ما شهدناه في سنين الربيع العربي، من قتل وتدمير في كل مكان، اختلس ما تبقى من طاقة وجدانية عند العربي، الذي باتت مصيبة فلسطين لديه، قديمة، ومؤجلة، وغير حاضرة، مقارنة بما فعله الوحوش في كل مكان في المشرق العربي، وبعض دول المغرب العربي.
هذه اوقات صعبة جدا، لكن برغم صعوبتها، لابد ان نقف ضد اسرائيل في قصة منع الاذان، ولابد من وعي شعبي، وحركة واسعة عربيا وعالميا، للقول لهذا العالم، ان اسرائيل تنتهك الحريات الدينية، وتتعدى على خصوصيات الناس، وانها ايضا، دولة تطهيرية تنبذ كل عنصر آخر، فكيف حين يكون هذا العنصر، صاحب الارض، منذ الاف السنين.
هي دعوة مفتوحة للعرب في العالم، لاطلاق حركة جديدة، سياسية واعلامية، بكل الوسائل، تحت عنوان «لن تسكت المآذن» ولدينا مئات الاف العرب الناشطين بلغات مختلفة، والقادرين على اجتراح فعل مهم، لفضح اسرائيل، وكشفها، والوقوف في وجهها، بعد ان وصل غيها الى هذه الدرجة، دون ان ننسى ان منع رفع الاذان، مجرد عنوان قبل الاخير، في مسلسل تهويد القدس، ومسلسل يهودية الدولة ايضا.
الدستور 2017-03-11