منع دعاة المقاطعة من دخول فلسطين ودعاة السياحة
أقر الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين الماضي قانونا يمنع الأجانب الذين يؤيدون علنا مقاطعة إسرائيل من دخول الأراضي المحتلة، وقال بيان الكنيست: “تتزايد في السنوات الأخيرة الدعوات لمقاطعة إسرائيل... يبدو أن هذه جبهة جديدة في الحرب على إسرائيل التي لم تتأهب لها البلاد على النحو الملائم حتى الآن”.
ذكّرتنا هذه القضية بالجدل القديم المتجدد حول دعوات السياحة إلى القدس من قبل العرب والمسلمين، الأمر الذي توقفنا عنده مرارا هنا، لكن الجدل حوله لم يتوقف، في ظل موقف قيادة السلطة، وبعض العرب.
حين كنا نتحدث في الأمر، كنا نقول إن لهذه القضية أضرار ومنافع، وشبهناها بالخمر والميسر “فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمها أكبر من نفعهما”، وذلك ردا على بعض من يسردون حيثيات تتعلق بمنافع تتحقق من تلك السياحة.
الأهم فيما كنا نقوله ردا على أولئك هو: هل أنتم أذكى من الغزاة، وهل لو أدركوا أن في تلك السياحة ما يضرهم.. هل كانوا سيسمحون بها؟
ها هي الإجابة تأتي صارخة في القانون الجديد الذي تحدثنا عنه في مستهل هذه السطور، فهؤلاء المستهدفون بالمنع هم أصلا في معظمهم مواطنو دول أوروبية أكثرها من النوع التي لا يحتاج مواطنوها تأشيرة لدخول الأراضي المحتلة، خلافا لجميع الدول العربية والإسلامية التي لا يدخل مواطنوها إلا بتأشيرة من الاحتلال.
حين وجد الصهاينة أن دخول هؤلاء الناشطين يمثل ضررا؛ لم يترددوا في إصدار قانون لمنعهم، ولو أدركوا أن سياحة العرب والمسلمين تفيد القضية لمنعوها، بخاصة وهي تتعلق بالقدس والمسجد الأقصى، وحيث يعلم الجميع حالة الإجماع في المجتمع الصهيوني على رفض التنازل عنها، ولا سيما “الحوض المقدس” كما يسمونه، والذي ما برحوا يرددون أنه أكثر قدسية عندهم من الكعبة عند المسلمين.
حين أجمعت غالبية القوى السياسية في الأمة بكل ألوانها، وفي مقدمتها القوى الفلسطينية طوال عقود على رفض مثل تلك الزيارة، واعتبرتها شكلا من أشكال التطبيع مع العدو، فهي لم تكن تجهل وجود بعض المنافع التي يتحدث عنها أولئك الذين ركّز بعض صغارهم على الشيخ يوسف القرضاوي، وهاجموه، لكأنه هو من اخترع الموقف، ولم يكن موضع إجماع، بما في ذلك بين القوى الحية في الأراضي المحتلة عام 48.
لا حاجة لاستعادة التفاصيل التي ذكرناها مرارا عن أن تلك السياحة تفيد العدو أكثر مما تفيد الفلسطينيين، لأن المرور بالقدس يكون عابرا، بينما يذهب أغلب الوقت فيما تبقى من الأراضي المحتلة، ولا في قضية تشريع الاحتلال، ولا في منح العدو فرصا لتجنيد العملاء، فكل ذلك ذكرناه مرارا، وما فعله الاحتلال بالناشطين الداعين لمقاطعته، يكفي وحده دليلا على أن تقدير العدو هو أن تلك السياحة تخدم برنامجه، وفي اللحظة التي يكون فيها غير ذلك، لن يتردد في منعها، ولن يردعه شيء.
دعاة السياحة إياهم لن يغيروا رأيهم، ولو جئتهم بكل آية، ذلك أنها تنسجم عمليا مع برنامجهم القائم على إبعاد الناس عن المقاومة، والتطبيع مع العدو بكل وسيلة ممكنة، وإن تشدقوا بأنهم يتمسكون بالثوابت التي لا قيمة للتشبث بها (ليس من ضمنها بالطبع 78 في المئة من فلسطين)، ما داموا يتعاونون أمنيا مع المحتلين ويقبلون بفتاتهم في السلوك الواقعي على الأرض، ويحوّلون النزاع عمليا إلى مجرد نزاع حدودي لا أكثر!!
الدستور 2017-03-11