الإسلام الديمقراطي وحوار المشـرق والمغرب
نسبة الإزاحة النظرية بين علماء الاجتماع والدين في المغرب العربي ومشرقه مساحة واسعة لصالح علماء المغرب العربي بالطبع، فهم اكثر ميلا الى فقه اللحظة او ما اسماه الاستاذ عبد الفتاح مورو معيشة التحيين اي اللحظة الزمانية القائمة، فما زال علماء المشرق اسرى للاجتهاد الذي كان لخدمة نظام سياسي احادي ومجتمع واحد خالٍ من التعدد والتنوع على عكس علماء المغرب الذين اجتهدوا في توظيف المفاهيم الحداثية في التفسير والتأويل، وانتقلوا من مرحلة الاسلام السياسي الى مرحلة الاسلام الديمقراطي كما يقول مورو في حواره مع اسرة الدستور، مستلهما من التجربة الالمانية مثالا، فالحزب المسيحي الديمقراطي الذي تقوده ميركل لم يلغ تدين ميركل ولكنه استوعب الآخر دون مناهضة او معاقبة فالحكم لصناديق الاقتراع، وقبل بروز ظاهرة مورو كان الدكتور محمد عابد الجابري يقدم مفاهيم جديدة لقراءة العقل العربي بتفكيكية بعد القراءة التقليدية المشرقية.
عبد الفتاح مورو شخصية جدلية اكتسبت حضورها من ايمانها بالنقد بوصفه وظيفة العقل دون الاستكانة الى ما تيسر من اقوال وافعال وتفاسير نتجت عن لحظتها السابقة ومفاعيلها ونظامها السياسي وهي غير قابلة للانسحاب على الواقع القائم الآن فأتباع فيس بوك او تويتر اكثر من اتباع اية ديانة او عقيدة والبقاء في خانة التفسير الماضوي والجمودي سيدفع باتباع اي دين او عقيدة الى مغادرتها بنقمة او الانسجام معها بتطرف ضد المجتمع القائم وهذا هو احد اسباب انزياح المتطرفين العرب الى الافكار السَلفية، فعجزهم عن التفاعل والاستجابة للواقع المحيط رغم استخدامهم لادواته التكنولوجية الحديثة جعلهم ينقمون على المجتمع ويكفرّونه.
الجمود الفكري وأحادية الثقافة اكثر الامراض فتكا بالعقل البشري وهذه سمة لا ينفرد بها دين او معتقد بعينه بل فيروس اصاب كثيرين من اتباع الاسلام السياسي والفكر الماركسي والقومي على حد سواء في المشرق العربي ومغربه بحدة اقل نظرا لوجود مجتهدين في المغرب العربي وبيئة حاضنة وراعية للابتكار، على عكس المشرق الذي عجز عن افساح الطريق للمفكرين الحداثيين في المنهج الديني والاجتماعي من التقدم كما حدث مع الشيخ محمد الغزالي في مصر والدكتور فهمي جدعان في الاردن والشيخ على الوردي في العراق وغيرهم حيث لم تتوفر لهم اسباب البقاء والدعم بعد الهجوم الكاسح الذي شنته التيارات الماضوية عليهم باسناد من السلطة المشرقية التي حاربت الحداثة بكل اشكالها باستثناء القشرية منها.
صحيح ان طبائع الاستعمار في المغرب العربي من حيث تحويل اقطاره لجزء من البلدان المُستعمِرة اسهم في تطوير انظمة التعليم والعمل والحقوق المدنية كذلك امتلاك لغة ثانية تفتح خرائط العقل على عوالم جديدة،على عكس الاستعمار في المشرق العربي الذي اعتمد على تجهيل شعوبهاوبقائهم في خانة المستخدمين اسهم في هذه الفوارق،الا ان مرحلة ما بعد الاستقلال شهدت تراكما معرفيا واطلالة على الآخر في المغرب فيما افرزت انغلاقا مشرقيا ولعل انفتاح لبنان دليل على الفوارق بين الاستعمارين، حيث بقيت لبنان حالة متقدمة عربيا قبل ان تسقط في بئر التنافر المذهبي والحروب الاهلية كتعبير عن حالة ندم مشرقية على الانفتاح.
كذلك ثمة اسباب تتعلق بالمرجعية النظرية للحركات السياسية الدينية واليسارية اسهمت في تعميق الفوارق، فاليسار المغربي عموما أطل على اليسار الاوروبي الذي كان يعتبر نقيصة لدى يساريي المشرق، وانحاز المشرق الى منهجية ابي الاعلى المودودي كمنظر ديني لجماعة الاخوان المسلمين التعبير الاوضح للاسلام السياسي في بلادنا المشرقية وهو اكثر ميلا للعنف والسَلفية من الجذر الصوفي لاحزاب المغرب العربي وتركيا، وهذا يستلزم احياء حوار المشرق والمغرب الذي بدا منظرة على ورق الصحف بين الدكتور محمد عابد الجابري والدكتور حسن حنفي من اجل اثراء مفهوم الانتقال من ظاهرة الاسلام السياسي الحزبية الى ظاهرة الاسلام الديمقراطي كجزء اثير من الحرب على الارهاب والتطرف.
الدستور 2017-03-13