عقد من الكراهية
كلما اشتدت المشاكل الاقتصادية، والشعور بالتهديد لاسباب دينية او قومية، يرتفع منسوب الرغبة بالانفصال، عن الاخرين، او تنقية الدول، من أي اعراق او تنويعات أخرى، في سياق الظن، ان هكذا نزعات تحمي هذه الدول، ووباء الانفصالية في اقوى موجاته هذه الأيام.
الرئاسة الأميركية تمثل نموذجا عالميا، ورمزا للانفصالية، وبرغم انها لا تدعو للانفصال عن جهة مرجعية، كما هو معروف، لان الولايات المتحدة الأميركية، دولة بحد ذاتها، لكن احد أوجه الزعامة الانفصالية، نبذ بقية المكونات الأميركية، من اعراق واديان، أخرى، بحيث يكون هذا النمط، ذا نزعة انفصالية عن بقية المكونات الأميركية، تحت مسميات أخرى، تلتبس بالكلام عن اللاجئين والإسلام، وغير ذلك.
ذات الموجة او النزعة الانفصالية، رأيناها في بريطانيا، التي صوتت للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وبرغم كل الكلام عن الخسائر الاقتصادية، وغير ذلك من كلف سياسية وامنية واقتصادية، الا ان البريطانيين، كانوا مع الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لما يسببه لهم، من مخاطر مستقبلية، تتعلق بفتح بوابات بريطانيا للاجئين، ولثقافات أخرى، وهذا يعني تهديد المكاسب الاقتصادية والاجتماعية، وخلخلتها، مما يرفع منسوب الكراهية للاخرين مسبقا.
المثير هنا، ان البريطانيين بنزعتهم الانفصالية، يفضلون ان يخسروا ماليا، مؤقتا، على ان يخسروا هوية بلادهم الاجتماعية، مستقبلا، وهذه الانفصالية عن أوروبا، تعني ان البريطانيين ذاتهم ينفصلون أيضا عن ذاتهم الجغرافية العامة، في رسالة انفصالية أيضا للمكونات البريطانية الداخلية، فهمها مباشرة الاسكتلنديون الذين ينوون الدعوة لاستفتاء اخر للانفصال عن المملكة المتحدة، فالانفصالية ونبذ الاخرين لاعتبارات اقتصادية او ثقافية، وباء يجتاح العالم.
لا تعرف ما الذي يجري في هذا العالم، فهذه النزعات الانفصالية، تجتاح العالم، من ثلاثة انواع، نوع يريد الانفصال عن تجمعات اكبر، مثل الاتحاد الأوروبي، ونوع يريد الانفصال عن وحدة داخلية قائمة في ذات البلد، مثلا بتنا نسمع عن دعوات الفصل بين العراقيين او السوريين، ونوع ثالث يريد ان يبث رسالة الانفصالية بطريقة ذكية عبر تثبيتها وجدانيا داخل المجتمع، دون اتخاذ إجراءات مباشرة داخل البلد الواحد لحملهم ذات المواطنية كما في القصة الأميركية؟!.
ما يمكن قوله بكل وضوح ان البشر يشعرون بتهديد كبير، هذه الايام، من جانب بعضهم البعض،وهذا الشعور بالتهديد كان موجودا، لكنه كان ينخفض في بعض المراحل، لكنه اليوم في أوروبا وأميركا وبعض مناطق اسيا، في اعلى درجاته، وهذا التهديد يأتي لاسباب اقتصادية او دينية او اجتماعية وثقافية، والواضح ان قدرة العالم، على استيعاب الفروقات بين الحضارات والشعوب والأمم باتت منخفضة جدا.
كل هذا يؤشر على اننا في الدول التي تلجأ لصناديق الاقتراع قد نرى انقلابا كاملا لصالح الأحزاب اليمنية، والمؤكد ان هكذا انقلاب، سيترك تداعيات على بقية العالم، ليس بالضرورة من باب المواجهة مع هذه التيارات، ودولها المستجدة، بل من باب تفشي ذات الكارثة الانفصالية، في كل دول العالم، فالانسان لم يعد يحتمل الانسان، وهو ذاته لم يعد يحتمل ان يرى لونا آخر في هذه الحياة.
نحن امام عقد من الكراهية، لا يوجد أي مؤشر على احتمال، تراجع مغذياته.
الدستور 2017-03-15