إيران تدعم القضية الفلسطينية.. والنتيجة؟!
كلما تحدثت عن إجرام إيران، وعدوانها على غالبية الأمة، خرج عليك شبيحة من كل لون (طائفي وحزبي وأيديولوجي، وفلسطينيون من ألوان معينة، وقلة طيبة) يذكّرونك بأن إيران دعمت وتدعم المقاومة الفلسطينية.
تستحق هذه القصة بعض التوقف؛ أولا من زاوية أخلاقية، ثم سياسية، وأخيرا مستقبلية، مع أن البعد الأخلاقي يبقى الأهم بالنسبة إلينا، لأن سفك دماء الأبرياء دون وجه حق، يتفوق على أي قضية سياسية مهما كانت أهميتها.
الذين يتجاهلون الأخلاق والإحساس الإنساني يرون أن دعم إيران للقضية الفلسطينية يغفر لها كل جرائمها، وهذا لعمري تكرار لمأساة المتاجرة بالقضية التي تابعناها لعقود من قبل أنظمة عربية شتى.
نفتح قوسا لنشير إلى شكل من أشكال التناقض الفاضح عند شبيحة إيران، ذلك أن صدام حسين مثلا كان من أكبر داعمي القضية الفلسطينية، بل إن موقفه خلال انتفاضة الأقصى، بتخصيص مبالغ مالية كبيرة لعائلات الاستشهاديين كان واحدا من أهم عناصر التحريض عليه في الأوساط الصهيونية، وبينما اعترف الصهاينة أنهم خططوا لاغتياله، ثم ألغيت العملية بعد وقوع خطأ في التدريب عليها أدى لمقتل عدد من الجنود، لم نسمع مثلا أن الصهاينة خططوا لاغتيال قاسم سليماني. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم يعتبر جحافل الطائفيين إياهم أن موقف صدام ذاك، يغفر له دكتاتوريته في العراق؟!
من زاوية أخلاقية وإنسانية، سيكون من السقوط اعتبار أن دعم إيران للقضية، يمنحها الحق في سفك دماء شعب ثائر ضد طاغية فاسد في سوريا، أو دعم طائفي فاسد كالمالكي في العراق، ما أدى إلى مأساة لم تنته فصولها بعد، أو إشعال حرب في اليمن بالتعاون مع طاغية ثار الشعب وخلعه.
الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني ترفض هذه المقايضة. صحيح أن هناك من بينهم من يتبناها، لكنهم قلة، وأكثرهم ثمة تفسيرات أخرى لمواقفهم لا صلة لها بالقضية ذاتها، بل بأبعاد يعرفها الجميع.
لنأتي إلى البعد السياسي للقضية، فحين يُفتضح الأمر تماما بعد كل الذي جرى، ويتبين أن مشروع إيران لا علاقة له البتة بتحرير فلسطين، وأنه لا يعدو مشروعا طائفيا يطارد ثارات التاريخ، فسيكون من العبث تجاهل ذلك، حتى لو حررت إيران فلسطين، فضلا عن أن تكون قصتها كلها محض دعم محدود لأجل الدعاية ليس إلا، بدليل العقوبات التي اتخذت بحق حماس بسبب موقفها من سوريا، قبل أن يعود بعض الدعم من منطلق الحاجة السياسية لتزيين وجه قبيح. ولا ننسى بطبيعة الحال التحالف مع روسيا مع علم إيران بموقفها الحقيقي من الكيان الصهيوني، والعلاقة الحميمة بين بوتين ونتنياهو، وهو ما افتضح تماما منذ التدخل الروسي ولغاية الآن.
الأسوأ من ذلك كله، هو معالجة هذه القضية من زاوية هذا الحريق الذي أشعلته إيران، والذي وضع الحبّ صافيا في طاحونة العدو الصهيوني، ومنحه من المكاسب ما لم يحلم به في يوم من الأيام.
ماذا عن المستقبل؟ هل ستواصل إيران دعمها للقضية الفلسطينية، أو لبعض قوى المقاومة بتعبير أدق؟ من الصعب الجزم بذلك، فالابتزاز الأمريكي قد يدفعها لتغيير موقفها برمته من أجل تجنب العقوبات، ولكن بقاء بعض الدعم القليل الذي لا يزال يصل، لا يغير في موقف من يعرفون الأخلاق والإنسانية.
يحيلنا هذا الأمر إلى بُعد آخر يتعلق بموقف بعض العرب من القضية، ذلك أن موقفنا آنف الذكر من إيران، لا يدفعنا إلى تجاهل مواقف تستحق الإدانة من لدن أنظمة عربية؛ ليس لأنها لا تمنح بديلا لقوى المقاومة يغنيها عن الذهاب لإيران، بل أيضا لأن بعضها يتآمر على القضية ويطبّع مع الصهاينة في السر والعلن.
الدستور 2017-03-15