هل لدينا دولة عميقة؟
الدولة العميقة اصطلاح جديد ُولد في عام 2000. ونشأ أساساً ليصف الحالة في تركيا ، حيث لقي نظام الحكم الإسلامي (اردوجان) مقاومة صامتة من الاتجاه العلماني الذي أرساه كمال أتاتورك قبل أكثر من 90 عاماً.
استمر هذا الوضع في تركيا بنشوب مقاومة جديدة من قبل جماعة رجل الدين التركي المنشق والمقيم في أميركا فتح الله جولين ، الذي تسميه الحكومة التركية النظام الموازي ، وهو متهم بالقيام بالانقلاب الفاشل في العام الماضي.
كذلك ظهر اصطلاح الدولة العميقة بمناسبة الانقلابات السياسية التي شهدتها مصر في ظل الربيع العربي ، حيث كان يتم التغيير على السطح ، ولكنه يصطدم بمقاومة في العمق ، لأن أجهزة الدولة وقوى المجتمع نشأت وتربت في ظل نظام آخر.
الآن تبرز الدولة العيمقة لاول مرة في أميركا ، حيث جاء ترامب وفريقه على قمة نظام الحكم ، ولكن الأجهزة الرسمية والقوى السياسية والاجتماعية ما زالت تحتفظ بولائها للنظام السابق ، وتعبـّر عن موقفها بمقاومة النظام الجديد وتسريب أخبار تلحق الأذى به ، وفي المقدمة الكشف عن علاقته المشبوهة بروسيا.
الدولة العميقة في أميركا لا تتمثل في أجهزة المخابرات والأمن فقط ، بل تشمل الصحافة القوية التي تحاول أن تسحب الشرعية من تحت أقدام نظام ترامب.
الحديث عن دولة عميقة تقاوم النظام الجديد يأتي في نطاق نظرية المؤامرة من وجهة نظر النظام المستهدف ، وهي تنتج أخباراً وتسريبات مختلقة تلحق الضرر بالحكومة المنتخبة.
في حالة أميركا بالذات لا تحتاج الدولة العميقة لاختلاف الأخبار ، فقد تكفل ترامب وفريقه بتزويد الدولة العميقة بالعتاد اللازم.
في كثير من الاحيان تنتصر الدولة العميقة وتحقق أهدافها ، كما حدث لنظام حكم الإخوان المسلمين في مصر برئاسة محمد مرسي ، ولكن الدولة العميقة لم تنجح في تركيا ، بل أعطت نظام أردوجان فرصة البطش بها في العمق.
في الأردن دولة عميقة لا تتمثل في أجهزة الدولة فقط بل تشمل الاحزاب والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني ، والتنظيمات الاقتصادية ، غرف التجارة والصناعة وجمعيات البنوك والمقاولين واتحادات المزارعين ومؤسسة المتقاعدين وأجهزة الإعلام. ولكنها متطابقة تقريباً مع الدولة الرسمية ، مما يشكل رافعة للاستقرار السياسي ، ويوفر الثقة بالاستمرارية ، ولا يغري أية جهة بمحاولة الوقوف في وجه النظام المدعوم في العمق.
الراي 2017-03-17