لإبراهيم وأقرانه ترفع القبعات
سأحدثكم عن إبراهيم، الشاب الجامعي الذي أبى إلا أن يعمل دون النظر لطبيعة العمل لإكمال دراسته. وإبراهيم لا يخجل من عمله، وبدا واثقا، يعرف هدفه وما يريد. رأيت في عينيه إرادة تنم عن وثوق، وسمعت في نبرة صوته معنويات راسخة.
الشاب الذي يبلغ العشرين من عمره، يعمل في كفتيريا جريدة (الغد) وهو يدرس محاسبة إنجليزي سنة رابعة في جامعة الزيتونة، وعندما سألته عن سبب عمله ودراسته في آن، كانت إجابته واضحة وواثقة: "لكي ادفع عن نفسي قسط الجامعة. والأجدر أن أعتمد على نفسي لتأمين تعليمي. والعمل قوة وفخر وليس عيبا أو حراما".
استفزني إبراهيم إيجابيا للكتابة عنه وعن آخرين أعرفهم حق المعرفة، حققوا ما يتطلعون إليه عبر المثابرة والكفاح، واختطوا طريق العمل لإكمال تعليمهم، أولئك بات بعضهم أشداء يشقون طريقهم بقوة، فتخرّج من تخرّج منهم، وتزوج من تزوج، فيما ما يزال بعضهم الآخر على مقاعد الدراسة والعمل.
القاسم المشترك بين إبراهيم وشباب آخرين هو إيمانهم بحقهم في المعرفة، فهم جميعا باتوا يعرفون معنى العمل والجد والكفاح، ويعرفون أن الاتكاء على انتظار دور في ديوان الخدمة المدنية لا يصقل الناس ولا يدفعهم للأمام، وأن انتظار واسطة للتعيين في وظيفة مكتيبة هنا أو هناك من شأنه تركهم سنوات في مطاردة واسطة قد لا تأتي. أولئك عرفوا أن العمل لتحقيق هدفهم ليس عيبا، وأن مساعدة الأهل في حركة الكفاح لا تنتقص منهم، وإنما تزيدهم شرفا وارتقاء.
فضلا عن إبراهيم، وحالات أخرى درست وعملت في ذات الوقت، فقد بتنا نسمع عن طلاب وطالبات ساعدوا – أحيانا- أهليهم وأنفسهم في أعباء دراستهم، من خلال طرق أبواب العمل الشريف، مهما كان شكله ونوعه، وهذا منحى إيجابي سيساهم في تشكيل جيل من الشباب المثابر الذي يعرف معنى العمل والابداع والمثابرة، وهو تطور يفتح آفاقا مختلفة للعمل دون الاتكاء على ديوان الخدمة المدنية، وانتظار الدور، والوقوف في صف عاطلين كثر عن العمل قاربت نسبتهم 15 % ويزيد، حتى إن الحكومات المختلفة باتت عاجزة عن معالجة ذلك الخلل، وعاجزة عن ملاءمة مخرجات الإنتاج مع سوق العمل، وتوفير فرص عمل لهم.
إبراهيم والعشرات، وربما المئات والآلاف غيره، غسلوا أيديهم من انتظار فرصة الحكومة التي قد لا تأتِي، وفتحوا أمامهم آفاق العمل وهم على مقاعد الدراسة، وبذلك يضربون أكثر من عصفور بحجر واحد، أولها تأمين مصاريف الجامعة وأقساطها، وثانيها التعرف على سوق العمل، والثالث فتح آفاق عمل لا منتهية تكون وسيلتهم عند التخرج.
أولئك لن يتعين عليهم انتظار حلول الحكومة السحرية للبطالة، وتوفير فرص عمل بعضها وهمي وبعضها لا يأتي، إذ إن خوضهم غمار التجربة سيمنحهم القدرة على وضع قدم في ميادين العمل متجاوزين ثقافة العيب والخجل، وسيجدون أنفسهم عند التخرج أكثر معرفة بالسوق ومتطلباته، وستكون قدراتهم الفكرية والجسدية على الإبداع أكثر من قدرة أقران لهم تخرجوا دون أن تتاح لهم فرصة معرفة سوق العمل وأحواله.
أولئك الذين اختاروا الذهاب للعمل مباشرة دون الاتكاء على قريب أو واسطة ومحسوبية، ودون قرع أبواب نواب وأعيان ووزراء ومسؤولين للتعيين في هذا الموقع أو ذاك، سيكون بمقدورهم الإنتاج أكثر بكثير من غيرهم، وسيكون مستقبلهم أكثر وضوحا من غيرهم، لأنهم سيفكرون بعقلية الكبار، وسيكون لديهم المكنة لتطوير بلادهم والعبور بها لمرحلة أخرى من مراحل الإصلاح والبناء والتطور وتعزيز قدرة الأفراد.
فلمثل إبراهيم، ولأقرانه الذين عملوا ودرسوا وتخرجوا وما يزال بعضهم يعمل، ترفع قبعات التحية، فمثلهم يتوجب أن ندعمهم ونشجعهم.. وبهم نفتخر.
الغد 2017-04-03