مخيمات آمنة داخل سورية: الركبان مثالا
يمثل مخيم الركبان نموذجا للتطبيق الممكن لمناطق أو مخيمات آمنة داخل الحدود السورية، وهو الحالة الأكثر الحاحا لنبدأ به امتحان هذا المشروع الذي تتبناه إدارة ترامب، مع استدراك أنه يجب ان يكون تحت مسؤولية وإشراف الأمم المتحدة بوصفها الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بذلك، ويمكن أن يتولى الأمن قوة من القبعات الزرق (مثل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة)، ويمكن للأردن، بوصفه الطرف الأقرب، أن يعير الأمم المتحدة الجزء الأكبر من هذه القوة كما يفعل مع المنظمة الدولية في مناطق أخرى من العالم.
مخيم الركبان تشكل عشوائيا على الجانب السوري من الحدود الأردنية السورية في أقصى الشرق، وهو واحد من أسوأ المخيمات في العالم، فقد تراكم اللاجئون فيه على أمل الدخول للأردن. لكن الأردن قاوم الضغوط الشديدة لإدخال آلاف القادمين من مناطق سيطرة داعش دون تدقيق أمني، وفي النهاية سمح بإدخال الحالات الأكثر إلحاحا (أكثر من 5 آلاف) إلى منطقة حجز في مخيم الأزرق ليتم التشييك الأمني هناك. وفي الأثناء تعاون مع الأمم المتحدة في نجدة الناس المتكدسين هناك في العراء وراء الحدود بالمؤن والخيام، فأصبح المكان عمليا مخيما وراء الحدود، ونشأ نظام معقد ومكلف، للأردن وأيضا للأمم المتحدة، لإيصال الاحتياجات اليومية الملحة من ماء وغذاء ودواء وغيرها، لتغطية احتياجات أكثر من 80 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، ويزداد عددهم باطراد، وقد يزداد أكثر إذا اقتربت المعارك من مناطق سيطرة داعش شرقا.
وقبل شهور وقعت عملية تفجير انتحارية أدت إلى استشهاد وجرح عدد من افراد قواتنا المسلحة والأمنية الباسلة، ما ترتب عليه آليات أكثر تعقيدا وإجهادا لضمان أمن الحدود، وفي الوقت نفسه بقاء القناة مفتوحة بالاتجاهين مع المخيم؛ اذ يتوجب الاستمرار في استقبال المرضى وعلاجهم في المركز الطبي الذي نشأ في اطار مجمع الخدمات المحصن على الجانب الاردني من الحدود. والقصة ليست بسيطة أبدا؛ فهناك يوميا حالات مرضية سيئة تعني انقاذ اطفال من الموت أو نساء في حالات ولادة، ويمكن أن يحدث في أي من ساعات الليل مجيء حالات طارئة مع مرافقين. ويعيش الجنود والضباط تحت حالة ضاغطة، طوال الوقت، من المسؤوليات الأمنية والإنسانية المتضاربة. وحسب الأمم المتحدة فإن الركبان هي العملية الأكبر والأكثر تحديا للأمم المتحدة في تاريخ عملها مع اللاجئين.
بالمقابل، في ظل عدم وجود قوة مسؤولة في المخيم، تتنازع المليشيات والعصابات المساعدات، وتحولها إلى تجارة قذرة، ويدفع الثمن أناس بلا سند، وهم غالبا كبار السن والنساء والأطفال. الوضع يصبح مستحيلا، فلماذا لا نفكر بوضع المخيم بقرار دولي تحت مسؤولية الأمم المتحدة مباشرة؟! والفصائل المعتدلة الموجودة هناك يمكن، بل يجب، أن تسلم باعتبار المخيم منطقة منزوعة السلاح وتخضع فقط لقوة أمنية كافية من الأمم المتحدة. والأردن سيكون القناة الموثوقة بكلفة تغطيها الأمم المتحدة لتمرير كل الاحتياجات للمخيم، بما في ذلك المساهمة في القوة الأمنية. وهذا الترتيب لا يعتبر انتقاصا من سيادة الدولة السورية، فهي غير موجودة أصلا هناك.
للأردن مصلحة مباشرة في هذا الترتيب الذي قد يتكرر في نقاط أخرى في الجنوب، ويمكن أن تكون هذه المخيمات محطة أولى لإعادة أعداد من اللاجئين السوريين من الأردن، والمشكلة الحقيقية هي تغطية كلف هذا الترتيب الذي يجب أن تدفعه دول، خصوصا أنها قد لا ترى فيه مصلحة سياسية مباشرة لها.
الغد 2017-04-03