السيناريو الغائب
قبل أيام قليلة، صرح وزير الخارجية الأميركي، عن نية ادارته، إقامة مناطق آمنة، لحماية السوريين، وقد تمت تسمية هذه المناطق بمناطق استقرار مؤقتة!.
لا يمكن لمصطلح «المناطق الآمنة» ، او «مناطق الاستقرار المؤقتة» أن يحمل المعنى ذاته كل فترة، فسابقا، تم الحديث عن مناطق آمنة بمعنى مناطق للسوريين، دون تفريق على أساس العرق أو الدين أو المذهب، تكون محمية من النظام ومن الجماعات المتشددة، معا، لكن المعلومات تشير الى ان مصطلح «مناطق استقرار مؤقتة» يعني شيئا آخر هذه المرة.
على مايبدو ان هذه المناطق المؤقتة ستكون طائفية، او مذهبية، وسوف تخصص من اجل لون واحد، على أساس طائفي او مذهبي، بمعنى مناطق للسنة، ومناطق للمسيحيين، ومناطق للعلويين، وبحيث يتجمع كل دين، او طائفة، او مذهب، في منطقة تسيطر عليها اغلبية من ذات اللون، من اجل إشاعة «الاطمئنان» بين المنتمين الى هذه المنطقة.
هذه خطة تعني التوطئة للتقسيم، ولاشيء غير ذلك، تحت غطاء انساني، والواضح في مرات كثيرة، ان واشنطن تتخبط في سوريا، فهي تعلن فجأة ان إزاحة الأسد ليس اولويتها، وفي ذات الوقت تريد تجهيز ناتو عربي لمحاربة الإرهاب في سوريا، والعراق، ثم تأتي لتتحدث عن «مناطق استقرار مؤقت»، ولايمكن لها اقامتها دون موافقة النظام السوري، ولا يمكن لها أيضا الذهاب الى مجلس الامن، من اجل الحصول على قرار بشأنها، مادام الفيتو الروسي فوق رؤوس الاميركان، الا في حال وجود صفقة ترسيم للجغرافيا البشرية بين الاميركان والروس.
مصطلح «مناطق استقرار مؤقتة» يعني تحديد ثلاث او اربع مناطق أساسية في سوريا ذات صبغة محددة، عبر الكلام مثلا، عن اللاذقية العلوية، واعتبارها منطقة استقرار مؤقت للعلويين، وترحيل العلويين من مناطق أخرى اليها، او اعتبار درعا سنية، وترحيل السنة اليها، تحت غطاء انساني، يريد الحاق الفروع بالاصل على أساس طائفي او مذهبي، وبحيث تتحول المناطق لاحقا، الى مناطق تجمع كبرى، مؤهلة للتحول الى دويلات، في سياق تقسيم سوريا وتشظيتها الى اربع مناطق، عبر عزل المكونات الاجتماعية عن بعضها البعض، باعتبار ان عيشها معا بات مستحيلا.
لهذا استعمل الاميركان على لسان وزير الخارجية الأميركي مصطلح «مناطق استقرار مؤقتة» بدلا من مصطلح «المناطق الامنة» وكأن هذه المناطق المؤقتة مجرد بذرة لمشروع قادم على الطريق، تتضح تفاصيله، في سياقات أخرى، لها علاقة باي صفقة محتملة مع الروس، وما يجري من سعي لفصل حلقة ايران عن النظام السوري، وتفويض إسرائيل بحزب الله، وفصل الملف الفلسطيني عن ملفات المنطقة، لتسويته، واخراجه من دائرة النزاعات.
ما يتضح في مرات كثيرة، ان هناك تخبطا اميركيا في الوصفات، كما اشرت قبل قليل، لكن علينا ان نقر ان واشنطن تجرب بضع وصفات معا، وتريد خلط الأوراق؛ لأن عليها ان تكون مستعدة لأي السيناريوهات اكثر نجاحا.
هي في كل الحالات، لاتقول لك، كيف يمكن تفريغ السكان من مناطقهم بذريعة الحرب على داعش، وترحيلهم بذريعة هذه الحرب، الى «مناطق استقرار مؤقت» من لون مذهبي او طائفي، فتدعي في التوقيت ذاته ان هذه حرب على الارهاب، وتنكر ان للحرب دورا وظيفيا مخفيا، يتعلق بتشظية سوريا الى اربع مناطق استقرار مؤقتة، توطئة لتقسيم مجدول ولو بعد حين!.
الدستور 2017-04-03