ترامب للأسد وبوتين: لن ألبس "جلباب" أوباما!
فجأة، وبدون مقدمات أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامره بقصف قاعدة الشعيرات العسكرية في سورية، ليعلن للجميع بأنه لن "يلبس جلباب" أوباما، وبأنه الرئيس القوي الذي لا يتردد ولا يجامل حتى أصدقاءه الروس.
بالتأكيد لن نهلل للصواريخ الأميركية وهي تدك الأراضي السورية، وندرك ونعلم ماذا فعلت هذه الصواريخ في العراق وفي أماكن كثيرة من العالم، ولكننا أبداً لا نرى القوات الروسية التي تعربد في سماء سورية بأنها قوة تحمي العروبة، بل جيش متورط بقتل الشعب السوري، وهذا التوصيف ينطبق حتماً على القوات الإيرانية و"حزب الله"، وعلى كل المليشيات الإرهابية مهما كانت مسمياتها، وقبل كل هؤلاء الرئيس بشار الأسد الذي استباح دماء شعبه.
النقاش لا يتمحور إن كنت مع التدخل الأميركي أو مع التواجد الروسي الإيراني، الأسئلة المهمة والمشروعة الآن، ماذا بعد صواريخ "توماهوك" على قاعدة الشعيرات، هل نحن أمام تغير استراتيجي في المعادلة القائمة في سورية، أم أن ما قام به ترامب ليس أكثر من ضربات استعراضية ليستعيد شعبيته بعد هزائمه الداخلية في أميركا؟
قبل القصف الأميركي كان العالم يعيد تأهيل نظام بشار الأسد، وصارت النغمة الأكثر سماعاً أن تغيير النظام ليس أولوية، ولولا اتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية وتوفر أدلة معقولة لديهم بإدانته، لأصبح الأسد لاعباً مقبولاً وربما يعاد فرش السجاد الأحمر في المطارات لاستقباله. ولكن قدر الأسد أن ترامب يريد أن يسجل علامة فارقة في أول حكمه وكانت هذه أول فرصة لاختباره.
الأردن استشعر التحول الأميركي في الموقف من نظام الأسد، وقبل الهجوم الصاروخي كان الملك عبدالله في حديثه لصحيفة "الواشنطن بوست" يقول "من سفك دماء شعبه عليه الخروج من المشهد"، وهو خطاب لم نعهده سوى في أول الربيع العربي وبداية الثورة السورية.
لماذا الهجوم الصاروخي، وماذا سيتبعه من متغيرات، هو الهاجس الذي يشغل العالم الآن.
سياسيون يرون أن ما حدث ليس أكثر من "فقاعة" سياسية تعبر عن سلوك ترامب ورغبته في صناعة الشعبية، ولن تتحول الى توجه لاستئصال النظام، ولو كانت هذه النية متوفرة فإن إحداثيات قصور الرئيس ومكان اقامته وتحركاته كلها عند المخابرات الأميركية؟
إذن، يذهب المحللون إلى أن هذا الهجوم الصاروخي هو القاعدة للتسوية السياسية في سورية، وأن "تأديب" الأسد ومعه الزعيم الروسي بوتين يمهد لجلوس الفرقاء في "الأستانة" بتكافؤ، وأن ما حدث سيجبر الروس على إعادة حساباتهم لإجبار النظام السوري للقبول بطريق سريع للحل، وقد لا يتضمن بقاء الأسد لمرحلة انتقالية طويلة.
لم ينتظر ترامب لجان تحقيق تؤكد تورط نظام الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية، فهو باعتقاده يملك الأدلة الكافية، ولم يدرس طويلاً رد الفعل الروسي وغضبه، أو التحركات الإيرانية و"حزب الله" فهو يحتاج لاستخدام سياسة "العصا الغليظة"، حتى يوصل رسالة مباشرة لإيران بأن زمن التمدد والبلطجة قد ولّى وأن "شرطي" المنطقة قد عاد، وفي ذات الوقت فالهجمات تخفف من الاتهامات التي راجت عنه بأنه يرتبط بشبكة علاقات ملتبسة مع روسيا.
الهجوم الصاروخي الأميركي يعجب قادة الخليج ويحظى بتأييدهم خصوصا السعودية، فقد كانوا منزعجين من فكرة فرض نظام الأسد عليهم دولياً، وإعادة تأهيله سريعاً، وكانت هناك ضغوط روسية وعربية لإعادته الى الجامعة العربية في قمة عمان وهو ما فشل ولم ينجح، وفي نفس الاتجاه فإن الهجوم في سورية يحجّم الدور الإيراني إقليمياً ويبث الاطمئنان عند دول الخليج.
لفت الأنظار للملف السوري وتسليط الأضواء عليه أميركياً بالقوة العسكرية، ربما يحجب اتجاها اخر أو يتطلب غض النظر عن سياسات ترامب الرعناء تجاه القضية الفلسطينية، فرغم كل الضغوط العربية والأوروبية، فما يزال مصراً على نقل السفارة الأميركية الى القدس، وما يزال يبحث عن سلام بنكهة جديدة ليس على أجندته حل الدولتين.
ترامب لا يتقن فقط سياسة استعراض القوة، بل ربما يريد أن يكرس المقايضات السياسية لإغلاق الملفات الشائكة؟!
الغد 2017-04-09