لا جديد في سورية
منذ أن تبدلت الرؤية الدولية حول أولويات الأزمة في سوريا وتعريفها وحلها بالتحول من التركيز على إزاحة نظام الأسد إلى ضرورة قتال الحركات المصنفة إرهابية باعتبارها خطرا دوليا لم تحدث أي اختراقات استراتيجية بعد أن أصبحت سورية ساحة صراع دولي وإقليمي حيث يعلم الجميع أن الأسد أحد أضعف الفاعلين في مسار وديناميكية الصراع والأزمة في سورية فالقرارات الحاسمة تتقاسمها روسيا وإيران وبهذا فإن لعبة الصراع الدولي والإقليمي تمضي ببطء وحذر شديدين حيث يستحيل اتخاذ قرارات دولية حاسمة في مجلس الأمن الذي يتطلب الاجماع وهو غير ممكن.
لقد أثار الهجوم الكيماوي على منطقة خان شيخون بريف إدلب في 4 نيسان 2017 والذي أسفر عن مقتل 100 شخص وإصابة400 آخرين مسألة مستقبل سورية ومصير الأسد والدور الأمريكي مرة أخرى وعاد الجدل حول طبيعة «الخطوط الأمريكية الحمراء» التي يصعب تجاوزها في التعامل مع نظام الأسد فالرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب اتهم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بعد الهجوم الكيماوي «بتجاوز الخط الأحمر» وقال إن موقفه تجاه سوريا والأسد تغير بعد أن كان ينتقد سياسة سلفه أوباما لكنه لم يوضح ماهية هذا التغيير وطبيعة الاستراتيجية الجديدة.
من الواضح أن لا جديد في الخطوط الرئيسية للمقاربة الاستراتيجية الأمريكية بخصوص سورية ومسألة مصير الرئيس الأسد ولذلك جاء الرد الأمريكي على الصعيد التكتيكي يإطلاق 59 صاروخا من طراز توماهوك من سفينتين في البحر المتوسط على قاعدة الشعيرات الجوية في محافظة حمص وسط سوريا في 7 نيسان 2017 لم تسفر سوى عن إضرار هامشية لكنها كانت كافية لإرضاء الرأي العام الأمريكي الذي شعر بالإهانة بعد الاستخفاف بخطوط إدارته الحمراء فالرسالة الأهم لإدارة ترامب موجهة للداخل الأمريكي أساسا وللقوى الأخرى التي بدأت تشكك بالقوة الأمريكية وتستخف بإمكانياتها وقدرتها على الرد إذا تطل الأمر.
رغم الجدل حول من نفذ الهجمات الكيماوية فلا شك أن النظام السوري وحلفاءه من نفذ الهجوم وهو ليس الأول من نوعه ضمن استراتيجية بالغة الوضوح تهدف بصورة أساسية إلى إعادة بناء النظام السوري عبر تكتيكات عسكرية عنيفة ومرعبة لفرض جدار من الخوف كان يوشك على الانهيار فاستهداف خان شيخون في ريف إدلب ليس عشوائيا ذلك أن قوى المعارضة الأكثر صلابة باتت تتمركز في إدلب وقد استخدم تكتيك الرعب الكيماوي سابقا في مناطق كانت ساخنة بهدف كسر وإضعاف معنويات المقاتلين والمدنيين ودفعهم إلى الاستسلام للنظام أو مغادرة البلاد وفك العلاقة بين المدنيين والمقاتلين وتدمير الحاضنة الشعبية اللازمة لشن حرب عصابات أصبح مركزها في محافظة إدلب كما حدث سابقا في اذار 2013 في خان العسل بحلب عندما استخدم النظام غاز السارين وتسبب بسقوط 20 قتيلاً و80 مصاباً وفي منطقة الغوطة الشرقية في 21 أب 2013 عندما استخدمت قوات النظام غاز السارين في قصفها للغوطة الشرقية ما أوقع 1500 قتيل وإصابة أكثر من 5000 شخص معظمهم من الأطفال والنساء.
عقب سلسلة من استخدام السلاح الكيماوي كاستراتيجية ترهبيب ضد المعارضة السورية المسلحة وحواضنها صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 بالإجماع في 27 ايلول 2013 على خلفية التسوية الكيماوية التي تم التوصل إليها في جنيف في 14 ايلول 2013 بين روسيا والولايات المتحدة ومع ذلك لم يتوقف النظام عن استخدام الأسلحة الكيماوية لكنه تحايل باستبدال غاز السارين المحظور بالكلور المسموح لكنه عاد إلى السارين في خان شيخون بعد أن شعر النظام بإمكانية استخدامه مع تحولات الأزمة لمحاولة القضاء على اخر بؤر المعارضة المسلحة في إدلب.
إن السياسة الأمريكية في عهد ترامب بخصوص سوريا لن تشهد تحولات عميقة فالأولوية الأمريكية تنصب على محاربة الإرهاب الذي تمثله الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وهي منشغلة مع تواصل معركة الموصل بالتحضير لمعركة الرقة مع حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية بمكوناتها الأساسية الكردية تمهيدا لإقامة كيان كردي مستقر في شمال سورية يضم قواعد عسكرية أمريكية تهدف لاحقا إلى الحد من النفوذ الإيراني وموازنة الوجود الروسي في سورية ولم تعد المعارضة المسلحة الموصوفة بالاعتدال ممثلة بفصائل الجيش الحر خيارا استراتيجيا أمريكيا.
خلاصة القول أن الأزمة السورية بعد الهجوم الكيماوي والضربة الأمريكية لن تشهد تحولا في التعامل مع النظام السوري لكن الضربة الأمريكية تؤشر على تغيّر طفيف على التعامل مع روسيا من جهة وإيران من جهة أخرى حيث ستعمل الولايات المتحدة بعد إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية وإخراجه من الموصل ثم الرقة على الحد من النفوذ الإيراني وتحجيم التواجد الروسي.
الراي2017-04-10