كيف اتخذت قرارات غزة
في حوار مع عضو لجنة مركزية في "فتح"، قبل شهرين أبديتُ رأيي، بعدم جواز استمرار انتظار المصالحة بين "فتح" و"حماس"، حتى يجري إصلاح "النظام" السياسي الفلسطيني، وأنّ تجديد المجلس الوطني الفلسطيني، لا يجب أن ينتظر أحداً. واعتبرت أنّ ما يحدث تذرع "فتحاوي" بحماس لعدم تجديد المنظمة. فرد بضرورة الانتظار حتى شهر نيسان (إبريل)، لتنتهي حركة "حماس" من تجديد مكتبها السياسي، باعتبار ذلك موعدا للمضي بعمليات الإصلاح والمصالحة. ولكن الأمور سارت باتجاه آخر، وشكلت "حماس"، حتى قبل تشكيل مكتبها السياسي الجديد، لجنة لإدارة "غزة"، هي أشبه بحكومة علنية، تعتبر القرار بيدها، فيما تطالب حكومة رامي الحمدالله، التي تشكلت بموجب اتفاق بين الحركتين، بدفع التكاليف، وتحمل المسؤوليات، دون السماح لوزرائها بمجرد زيارة غزة ودراسة الأوضاع هناك، ناهيك عن إدارة وزاراتهم.
تشكيل اللجنة في غزة، من نتائج فوز يحيى السنوار، برئاسة المكتب السياسي للحركة في القطاع، وهناك مؤشرات أنّ قيادة "حماس" الرسمية خارج الصورة؛ ومن ذلك، تصريح حسام بدران، الناطق باسم الحركة، المقيم في الدوحة، يوم 15 آذار (مارس) أنه لا يوجد أي إعلان من حماس لتشكيل لجنة لإدارة شؤون القطاع، معتبراً أن ما تم الحديث عنه عبر الإعلام، هو توقعات وتخمينات فقط. وأضاف "غزة والضفة جزء واحد من الوطن، وحماس ما تزال تعتبر أن حكومة الوفاق القائمة حاليًا هي المسؤولة عن القطاع". وفي اليوم التالي لتصريحات بدران صادق أعضاء "حماس" في المجلس التشريعي، في غزة على اللجنة. وللدفاع عن القرار، قال القيادي في الحركة صالح البردويل "اللجنة ليست جديدة" و"ما جرى هو تغيير الشخصيات التي تديرها". بطبيعة الحالة عدا أنّ أحدا لم يعرف كيف تشكلت اللجنة، ومن يُعدّلها ويغيرها، بما في ذلك قيادة حركة "حماس" الرسمية، فإنّ مثل هذا الدفاع من قبل البردويل وغيره، أثبت ما قيل سابقا عن حكومة حمساوية غير معلنة، تتولى الأمور، وليس حكومة الوفاق.
كان منطقيا أنّ تكون اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هي من يقرر ماذا تفعل بشأن لجنة "حماس" الجديدة. لكن ما بات معتادا، أنّ القرارات تتخذ من قبل الرئيس الفلسطيني، وتصدر باسم الحكومة، أو تصدر قرارات فعلا من قبل الحكومة. ثم يجري لاحقاً إعلام اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية في "فتح" بشأنها. ويحدث أحياناً أن يغضب أعضاء في مركزية "فتح"، وقد ينتقدون الحكومة ويؤيدون مظاهرات ضدها، وهو ما بدأ منذ حكومة سلام فياض، وليس جديداً.
وَعَدَ أكثر من عضو في لجنة "فتح المركزية"، وفي قيادة الحركة في غزة، الناس، بمعالجة قرار الحكومة الذي يثير الضجة الآن، باقتطاع العلاوات من رواتب موظفي غزة التابعين للحكومة في رام الله. وطلبوا انتظار اجتماع "المركزية"، مساء السبت الفائت، لدرجة كتابة بعضهم على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يهمون بالذهاب للاجتماع "انتظروا". وخرجت في غزة مظاهرة حاشدة، ضد القرار، شارك فيها قيادات في "حماس"، رغم مهاجمتهم لهؤلاء الموظفين لسنوات. وحرص جزء من قيادة "فتح" في غزة، على التأكيد أنّهم من دعا للمظاهرة، وأصدرت بيانات موقعة باسم فتح "المحافظات الجنوبية" عن "القرار الجائر" الذي اتخذته حكومة الحمدالله. ولكن التصريحات توقفت بعد اجتماع المركزية، ولم يجر إيضاح شيء للمنتظرين. ويوضح تقرير لصحيفة "العربي الجديد"؛ "في اليوم الأول بعد الضجة الكبيرة التي أثارتها الخصومات، خرجت تصريحات من مركزية "فتح" تدين ما قام به رئيس الوزراء رامي الحمد الله وتحمّله المسؤولية. لكن سرعان ما اتصل الأخير، الذي كان وقتها في زيارة إلى تونس، بعباس، وأخبره بأن أعضاء المركزية يحرّضون الشعب ضده. فما كان من أبو مازن إلا أن تواصل معهم وطلب منهم السكوت". وعلم أعضاء المركزية في اجتماعهم كما يبدو بحيثيات القرار، وأنه كان "ضروريا ومؤلما"، وطُلِبَ مِنهُم نقل رِسالة لقيادة "حماس" أنّ المزيد سيلي خصوصا في مجالي الطاقة والكهرباء، إذا لم توقف "حماس" خطواتها للانفصال بالقطاع.
آليات اتخاذ القرار في المنظمة والفصائل على السواء، معطلة، والنتيجة كثير من التخبط والجدل، وعدم التعويل على أي وعود بالمصالحة والتقدم للأمام.
الغد 2017-04-12