دراما باللحم الحيّ !
حين شاهدت بالامس امّا مصرية قبل ان تكون مسلمة او قبطية وبعد ان تحولت ابنتها الى اشلاء تقول لمن فجّر نفسه في الكنيسة سامحك الله، وشكرا لأنك السبب في السرعة التي صعدت بها ابنتي الى السماء، حاولت ان اتخيل الانتحاري وقد عاد الى الحياة وسمع ما قالته تلك الأم في ذروة الحزن والفقدان لكنني ادركت على الفور ان ما تخيلته كان اقرب الى التمني، وهو ان يعتذر القاتل عن جريمته ثم يذهب لينتحر لكن بمفرده هذه المرة، بعيدا عن الكنائس والمعابد كلها ! فهو ان عاد الى الحياة سوف يكرر ما فعله، لأنه مغسول الدماغ، ولا ندري كيف تم استئصال ضميره كما لو انه زائدة دودية، ومن الواضح ان القتلة على اختلاف الهويات هم اناس بلا خيال، وليس لديهم قدرة على رؤية ما هو ابعد من انوفهم، لهذا فهم ادوات صماء واصبع اعمى وزناد من حديد وديناميت .
ومن شاهدوا اقباط مصر ومن معهم من المسلمين يودعون الضحايا بالتصفيق لكل تابوت يمر وبالزغاريد يشعرون على الفور بأن التفجير فشل رغم نجاحه الموضعي المؤقت، وان الرهان على الفتنة الطائفية في مصر له تاريخ طويل، ويكفي ان نتذكر الموقف الوطني المشترك بين المسلمين والاقباط في ثورة 1919 ، ان عبارة البابا تواضروس التي هزت المشاعر كلها تصلح ايقونة وطنية فقد قال ان مصر بلا كنائس خير من كنائس بلا مصر !
وكان البابا شنودة قد سبقه حين قال ان مصر وطن يسكن فينا اكثر مما نسكن فيه، ورغم ان الحزن العميق الذي يشعر به المرء وهو يشاهد هذه الدراما الا ان ما صدر عن اقباط ومسلمين من ردود افعال يعيد التوازن الى النفس لأن ارتفاع منسوب المناعة على هذا النحو ضمانة قومية ووطنية، واحداث التفجير لا تختلف عن الاغتيالات، قد تبدو ناجحة وحققت هدفها، لكنها في الحقيقة بلغت ذروة الاخفاق لأن ما تطلقه من نيران يرتد عليها !
اما المفارقة في هذا المشهد التراجيدي فهي ان سيدة مسلمة برتبة عميد في الجيش استشهدت وهي تحرس المسيحيين في صلاتهم !
الدستور 2017-04-12