الصورة الكبيرة: شرق أوسط محطّم..!
نشاهد ردود أفعال الأفراد المرتجلة على الأحداث الجزئية في مناطق الأزمة العربية، فنلاحظ ضيقاً في النظرة وانشغالاً بالتفاصيل عن رؤية الصورة الأكبر. هذه الفكرة كانت في بال محرري موقع "غلوبال ريسيرتش"، حين أعادوا مؤخراً نشر دراسة صدرت قبل أكثر من عقد، بعنوان "خطط إعادة رسم الشرق الأوسط: مشروع "شرق أوسط جديد".
في التقديم للدراسة التي أعيد نشرها الشهر الماضي، كتب المحرر: "هذه المقالة التي نشرتها "غلوبال ريسيرتش" أولاً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، ذات أهمية خاصة لفهم العملية الجارية لزعزعة الاستقرار والتجزيء السياسي للعراق وسورية واليمن. إن استراتيجية واشنطن تقوم على تقسيم سورية والعراق".
من الصعب عرض محتوى المقالة الكبيرة في هذه العجالة؛ فهي تستعرض بالتفصيل مخططات مثلث أميركا-بريطانيا-إسرائيل لإعادة ترسيم المنطقة بهدف إدامة الهيمنة عليها، تحت عناوين "الشرق الأوسط الكبير"، ثم "الشرق الأوسط الجديد". لكن محتواها ينسجم تماماً مع الأفكار التي تعلمناها نظرياً في كتبنا المدرسية، وأثبتتها عملياً معايشتنا للأحداث في العقود الأخيرة: أن الإمبرياليات الغربية لا يمكن أن تأتي بأي خير لشعوب هذه المنطقة، ولن تتدخل أبداً لإطلاق إمكانياتها ومساعدتها على التقدم. وإذا كان أحد هنا ينطوي على أي اعتقاد بأن أعمال واشنطن وعواصم القرار الأوروبي في المنطقة، يمكن أن تفعل أي شيء لمصلحة إنسانية وتقدم وحرية الأفراد في هذه المنطقة، فإنه يحتاج إلى التوقف ومعاودة استشارة التاريخ، وخبرته الشخصية، على الأقل.
من المعروف أن الغرب استهدف هذه المنطقة دائماً بالاستشراق ثقافياً وبالاحتلالات العسكرية المباشرة فيزيائياً. ويشير كل شيء إلى حقيقة أن الاستعمارات الوحشية للشرق الأوسط في القرنين الماضيين استهدفت نهب موارده وإخضاع شعوبه وإبقاءها متخلفة. ومن العبث إغفال التداعيات الكارثية للتقسيم القطري الذي رسمه سايكس وبيكو لتَركة الإمبراطورية العثمانية، وما تلاه من زرع وإدامة الكيان الصهيوني في المنطقة.
يمكن تشخيص الأسباب الموضوعية التي دعت المخطط الإمبريالي –وما تزال- إلى استهداف المنطقة وشعوبها بالإخضاع والإضعاف، ومنها: أنها مصدر أساسي للنفط الذي شكل محرك الحياة والتصنيع والتقدم في الغرب؛ وأنها تنطوي على مقدرات طبيعية وبشرية، وتكوينات متجانسة بطريقة فريدة كفيلة بأن تجعلها -في حال استقرارها وتكتلها- لاعباً استثنائياً في تحديد التوازنات الدولية؛ وأنها على الأقل منطقة عازلة بين الغرب ومنافسيه الكبار في شرق آسيا، بحيث يختصر تأمينها المسافة لوقوف قوات الغرب على حدود هؤلاء المنافسين؛ وأن إضعافها يخدم مخططات اللوبيات الصهيونية التي تنجح بوضوح في التأثير على مراكز صنع القرار الأميركي والغربي، والكثير من الأسباب.
لا يمكن تصور أن يدعم الغرب أي بديل ديمقراطي أو وطني مخلص يفك القيود عن الناس ويحرر عقولهم. ومن مطلق التنكر للواقع تجاهل حقيقة أن النتائج الدائمة للتدخلات الغربية في نقاط الحرائق المشتعلة عن قصد، كانت تدمير منجزات المناطق العربية المادية والحضارية، وقتل مواطنيها وتهجيرهم، وتقسيم المقسم فيها وإعادتها حرفياً إلى العصر الحجري. وكما نلاحظ، لم تكن حصيلة سياسة "تغيير النظام" الشائعة مجرد إسقاط أفراد هم بائدون في نهاية المطاف، وإنما تدمير بلدان وتحطيم شعوب وعكس وجهة أي مسير تقدمي.
أتصور أن رؤية الجزئيات ضمن هذه الصورة، ربما تعيد آليات التقييم ونتائجه.
الغد 2017-04-13