أزمات مزمنة وحلول موسمية !!
الفارق بين من يعيشون حياتهم على طريقة المتسول من وجبة الى وجبة وبين من يخططون ويستبقون الازمات بهدف تداركها قبل ان تتفاقم هو ان من يتحكم بهم هاجس البقاء على قيد الحياة يعيشون في مستوى الضرورة فقط ولا يملكون رفاهية الثقافة والقوة الناعمة بينما يملك الاخرون مثل هذه الرفاهية ويحولونها الى ضرورة !
وما تعانيه المجتمعات العربية على اختلاف النسب من ازمات تبدأ من الرغيف ولا تنتهي عند الاحساس بالامان، تقدم لهم وصفات وحلول موسمية، تماما كما يعالج المصاب بداء عضال بالاسبرين او كمادات الماء البارد !
ربما لهذا السبب انفجرت الازمات تباعا ولم تنفرج رغم المقولة الشائعة التي تشترط لانفراج الازمات اشتدادها وبلوغ الذروة .
وهناك على ما يبدو قطيعة وصلت حدّ الطلاق البائن بين من يفكرون ومن يعملون، فهم اشبه بمستقيمات متوازية لا تلتقي، ورغم ما تنتجه مراكز الابحاث على ندرتها وضيق امكاناتها الا ان ما تنتجه لا يلتفت اليه احد، وكأن الكلام والافعال نقيضان، والحقيقة انهما في جدل حيوي، فالفعل غير المسبوق بالتفكير والتأمل هو مغامرة لا تخلو من حماقة كما ان الانصراف التام الى الكلام المجرد هو بطالة سياسية وفكرية بكل المقاييس .
الازمات مستمرة وتتنامى لكن الحلول والمقاربات موسمية، وذلك لغياب الرؤية البانورامية التي تحيط بالمشهد المعقد من كل زواياه، والاقتصار على مقاربة واحدة لأية ظاهرة يعقدها ويضاعف من الازمة بدلا من ان يجد لها حلا !
واذا كان الانسان لا يعيش بالخُبز وحده فهو ايضا لا يعيش بالحرية وحدها اذا كانت مجانية واقرب الى الفوضى، فهناك على الدوام اولويات لكن ما يحدث الان هو التلاعب بهذه الاولويات بحيث يصبح الكمالي بديلا للضروري، وتصبح الثرثرة بالهواتف اهم من الصحة والتعليم !
لهذا فان معظم ما نتداوله من اطروحات مرتجلة حول ازماتنا يبقى مجرد جعجعة، او كما يقال في المثل الشعبي تغميس خارج الصحن، واذا لم تردم الهوة الاخذة في الاتساع بين من يفكر ومن يمارس فإن وعد المصاب بمرض عضال بالشفاء يبقى ضربا من الخداع !!
الدستور 2017-04-16