عن الهجوم على الأزهر إثر تفجير الكنيستين
حملة ردح غير مسبوقة، وإن تكررت مرارا في السابق، ضد مؤسسة الأزهر، تابعناها إثر تفجير الكنيستين. ولو تابعها مراقب محايد لاعتقد أن مفجري الكنيستين هم شيوخه، أو من خريجي مدرسته، فيما يعلم الجميع أن من فجّروا وأعلنوا مسؤوليتهم ينتمون لتنظيمم داعش الذي يكفّر الأزهر، ويكفّر الإخوان (طالهم الهجوم كالعادة)، وهم أصلا لا ينهلون من معين الفقه الذي تتبناه المؤسسة.
لن نتوقف هنا عند المواقف السياسية للأزهر، فرأينا معروف على هذا الصعيد، وما يعنينا هنا إننا إزاء هجمة تتجاوز الأزهر لتطال الظاهرة الإسلامية برمتها، وتستهدف التدين، بل الدين برمته، وهو أمر لا تخطئه العين، ويمكن تلسمه في “لحن القول”، إذ يتصدرها غلاة العلمانيين واليساريين والطائفيين ممن يعرف الجميع موقفهم من الإسلام.
في هذا السياق هناك أكثر من نقطة تستحق التوقف عندها، من تلك التي استخدمت في سياق الهجمة على الأزهر، لكن أهمها ذريعة أنه يصف غير المسلمين بالكفار؛ بمن فيهم أبناء البلد ذاته، وتلك لعمري قصة سخيفة، مع أن مشايخ الأزهر وأكثر العلماء يتحفظون على استخدام المصطلح، ويميلون إلى استخدام الأوصاف التقليدية، كالقول “الإخوة المسيحيون”، أو “الأقباط” أو ما شابه، لكن المحاسبة لا تتم على القول، وإنما على الاعتقاد.
والحال أن مصطلح “كافر”، وما يشبهه، أو ترجماته، موجود في كل الأديان، إذا إنها جميعا؛ أرضية وسماوية، ترى أتباع الدين الآخر كفارا، فيما يحدث ذلك أحيانا داخل الدين الواحد، أي بين المذاهب التي يكفّر بعضها بعضا كذلك.
هذا المستوى الاعتقادي لا يمكن تغييره، وهو ليس حكرا على دين بعينه، بل إن جزءا معتبرا من علماء الإسلام ربما كانوا الوحيدين الذين لا يرون أن غير المسلم الذي لم تبلغه الرسالة بشكل مقنع، ليس محكوما عليه بالنار، الأمر الذي لا يحدث في أكثر الأديان الأخرى، وإن تميز بابا الفاتيكان الحالي تحديدا بخطاب متميز على هذا الصعيد، قياسا بمن سبقوه ممن لم يكونوا يرون في غير أتباع الكاثوليكية (من بين المذاهب المسيحية) مؤمنين يستحقون الجنة.
كل دين يعتقد أنه الحق، وأصحابه كذلك، لكن ذلك شيء والمستوى الدنيوي من التعامل شيء آخر، إذ ينص القرآن الكريم صراحة على البر، بقوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”، والبر أعلى درجات الإحسان.
ويبقى أن العدل والمساوة بين المواطنين من شتى الملل والنحل مسؤولية الدولة، وإن كان مطلوبا من العلماء التأكيد على ذلك، لكن لجم التمييز هو مهمة الدولة التي تشرّع القوانين، وتحرس تطبيقها، وهذا ما يحدث في العالم المتقدم، والذي لا زال يعاني من العنصرية في سلوك قطاع من الناس، أما أمام القانون فيختلف الأمر.
الجانب الآخر في سياق الهجوم يتعلق بالكتب التي يتبناها الأزهر، مثل كتب الحديث، والتي لا تخلو من نصوص يمكن للبعض استخدامها في سياق من العنف تجاه الآخر، الأمر الذي يتوفر في الكثير من الكتب “المقدسة” عند أصحابها، لكن وجود فهم مغلوط ليس مسؤولية الأزهر، وهو عموما ليس المسؤول عن صناعة العنف، بدليل وجود تلك النصوص على مدى الأزمنة، لكن ظروفا موضوعية هي التي تخرجها من بطون الكتب كي تستخدم في سياق تبرير أعمال بعينها.
الحديث عن الأزهر والمناهج والمدارس ودور تعليم القرآن لا يستهدف العنف فقط، بدليل أنه كان متوفرا قبل موجة العنف الراهنة، وهو يستهدف التدين من حيث أتى، وحيث يعتقد أولئك أن التدين هو الحاضنة لما يسمى الإسلام السياسي، ولا بد من استهدافه تبعا لذلك.
بقي القول إن استهداف الدين ومؤسساته ليس وصفة لمحاربة العنف، فضلا عن الكذب على العلماء كحال من يستخرج فتوى قبل سنوات لعالِم معين كالقرضاوي أو سواه، ويترك عشرات التوضيحات بعدها، لكي يجرّمه، متجاهلا أن تيار العنف يكفّره أصلا.. هذا اللون من الاستهداف هو وصفة لمزيد من العنف، لأنه يؤكد نظرية القائلين بلا جدوى الاعتدال. والحال أنه لو كانت المشكلة في المدارس والمناهج، لما جاءت من تونس الأكثر علمانية النسبة الأعلى من عناصر تنظيم داعش، بل ربما أكثرهم تشددا، حتى داخل التنظيم نفسه.
في المقابل، لا يجب أن يتراجع العلماء أمام هذه الهجمة، وكأنهم متهمون، بل يجب أن يردوا عليها بعقل ومنطق، لأن الدين أمانة في أعناقهم، ولا ينبغي أن يتركوه مستباحا لحفنة من كارهيه؛ ممن لا صلة لهم بضمير الناس، ويستقوون بالإعلام، وأحيانا بقوة السياسة.
الدستور 2017-04-18