حقيقة وثيقة حماس
لا شك أنّه لا يوجد جهة ستطلق وثيقة جديدة توضح أهدافها السياسية، وبرامجها، إلا إذا أرادت أن تعلن عن شيء جديد، وبالتالي ما يسمى الثوابت في "وثيقة" حركة "حماس" التي أعلنت هذا الأسبوع، والتي لا تختلف عن الميثاق المعلن العام 1988، ليست هي المقصودة بذاتها، بل المطلوب تسليط الضوء على شيء جديد، وذكره مع القديم، يخدم طمأنة من يخشى التغيير بأنّه ليس تغييراً كاملا. ويمكن الإشارة لموضوعين أساسيين تغيرا في الوثيقة، هما القبول بفكرة الدولة على حدود الرابع من حزيران، لكن دون الاعتراف بالكيان الصهيوني. والثاني، تحديد العلاقة مع العالم الخارجي، والاستقلالية الوطنية لحماس، دون التنكر للبعد العربي والإسلامي.
لا يقرأ الخطاب بما فيه وحسب، بل وأيضاً بالمسكوت عنه مما يوجد اتفاق أو إجماع أنه موجود، وحاضر في النقاش والجدل. ومن هنا لفهم وثيقة "حماس" التي أعلنت هذا الأسبوع يجب مقارنتها بالميثاق الأساسي الذي يوضح المسكوت عنه في الوثيقة.
بالإشارة لموضوع الدولة، فإن الوثيقة نصت أنّ "حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران (يونيو) 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة". مع التأكيد على أن "لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين". وهذا البند بهذه الطريقة يثير تساؤلا وغموضا حول ماذا يعني؟ فكيف تقبل برنامج التوافق المتعلق بالحدود، وترفضه في ذات الآن. وتفسير هذا ممكن أن نجده تلميحاً في بداية الوثيقة، بالقول "فلسطين المقاومة التي ستظل متواصلة حتى إنجاز التحرير، وتحقيق العودة، وبناء الدولة ذات السيادة الكاملة، وعاصمتها القدس". ونجده تصريحاً في مقابلة شهيرة لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، مع شبكة "ٍسي أن أن"، عندما تعهد أنه إذا مُنح الفلسطينيون دولة فلسطينية على حدود 1967 والحقوق الأخرى المطالب بها (اللاجئين) ستتعهد "حماس" بعدم ممارسة المقاومة العنيفة. أي أنهّ سيجري حصر أي مطالب حينها بأساليب قانونية ومدنية غير عنيفة. وهذا هو حقيقة عرض "حماس" في الوثيقة. وهنا يأتي أهمية المسكوت عنه مقارنة بميثاق "حماس" من حيث تدمير وإزالة إسرائيل تماماً، وعلى الأقل لن ترتبط المقاومة العنيفة بهذا الهدف.
تم تبرير هذا النص بأنه الصيغة التوافقية، والواقع أنه قد يكون كذلك، ولكن من المستبعد أن يكون إعلان هذا الموقف موجها فعلا للقوى الفلسطينية الأخرى، وبشكل عاجل، وخصوصاً "فتح" والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبهدف التوافق معه، لأنّه في ذات الوقت الذي كان يعلن فيه النص كانت قيادات "حماس" تشن هجوماً حاداً ضد حركة "فتح" والرئيس الفلسطيني، وأتبعت ذلك باعتقال عشرات من عناصر "فتح" في غزة. وبالتالي فإن القوى الإقليمية والدولية هي المخاطبة بهذا النص، والتوافق جاء كمبرر.
أمّا النص الثاني والمتعلق بتعريف علاقة "حماس" مع القوى الإقليمية من دول وتنظيمات، فقد جاء في النص "تؤكّد حماس على ضرورة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وعدم ارتهانه لجهات خارجية، وتؤكد في الوقت ذاته على مسؤولية العرب والمسلمين وواجبهم ودورهم في تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني". وهذا النص وإن كان لا يختلف كثيرا عن طروحات حركة "فتح" وعن النصوص التي وضعها مؤسسو "فتح" وعدد مهم منهم جاء من صفوف الإخوان المسلمين، فإنّه في الواقع ذو معنى عميق، إذا ما تم تنفيذه. وهو نص يحتاج توقفا، وهو ربما نص على الحركات الإسلامية، وتحديداً الإخوان المسلمين، التفكير فيه وإذا قررت تبنيه أن تترجمه عملياً. فمعنى هذا النص أنّ الوحدة الاندماجية الإسلامية والعربية ليست أمراً عاجلا، وانّه لن يتم تجاهل الحدود القطرية، ولن يتم تجاهل الحدود الوطنية، ولها الأولوية على الانتماء لجماعات إسلامية جامعة، مثل الإخوان المسلمين، وهذا تحول يحتاج لندوات وكتابات فكرية كثيرة، ليتم إدراكه. فقد بات من شبه الواضح أن مختلف مكونات السياسة العربية، تقول إن الهوية العربية وربما الإسلامية لها، لا تعني بالضرورة العمل أو تأييد الوحدة الاندماجية، فلم يعد الحديث عن دولة عربية أو إسلامية واحدة، بل عن دول ذات هويات عربية وإسلامية.
الغد 2017-05-04