في القصص التاريخي
كتب الشاعر (والروائي) الانجليزي «وولتر سكوت» (1771 – 1832) قصته: «الطلسم» التي تدور احداثها حول موقف من المواقف المشهورة في الحروب الصليبية بين ريتشارد قلب الاسد ملك انجلترا وصلاح الدين الايوبي المجاهد المسلم المعروف, وقد قدم «سكوت» في القصة صوراً رائعة شتى للفروسية العربية الاسلامية. كما قدم تحليلاً لشخصيتي صلاح الدين وقلب الاسد, فكان الاول, بحسب القصة, متمتعاً بالصبر وطول الاناة, مقداماً شجاعاً, لا يتهيّب ولا يخاف, ولا يتورع يغشى معسكر الفرنجة, متنكراً في زي طبيب او حكيم, على حد تعبير المؤلف في ايماءة الى مزج العرب بين حكمة الطب وحكمة الفلسفة, وكان الثاني غليظ الطبع سريع الغضب صريح العبارة, شديد النفوذ على اتباعه.
اما الموقف المقصود في «الطلسم» فهو موقف المجاهد صلاح الدين من عدوه قلب الاسد, وكيف عالجه من مرضه, ثم كيف كان حكماً عادلاً بين الصليبيين انفسهم.
ويرى الاستاذ «محمود محمود» الذي قدم نبذة عن حياة الشاعر الانجليزي وعن قصته: «الطلسم» في المجلد الاول من موسوعة تراث الانسانية التي تكاملت في ستينيات القرن الماضي, مشتملة على سلسلة من المقالات «تتناول بالتعريف والبحث والتحليل روائع الكتب التي اثرت في الحضارة الانسانية باقلام الصفوة الممتازة من الادباء والكتاب والعلماء», والتي نأمل ان تبادر وزارة الثقافة المصرية الى اعادة طبعها.. يرى الاستاذ محمود محمود ان وولتر سكوت «اخترق بخياله سجف الماضي وقدمه الى معاصريه مادة شائقة» دون ان يتصرف الا بمقدار في حقائق التاريخ مع التزام بالواقع فيما يتعلق بالاشخاص والدوافع».
ونحن نستذكر بهذا الذي يقوله الاستاذ محمود ما كنا نقرؤه من قصص تاريخية لجورجي زيدان ولكرم ملحم كرم ومحمد فريد ابوحديد وعلي احمد باكثير كما نستذكر القصص التاريخي الذي قرأناه في «وحي القلم» للرافعي وفي «رادبويس» و»كفاح طيبة» لنجيب محفوظ, وغير ذلك كثير..
واذا كان لنا ان نوصي بقراءة كتاب يمتزج فيه الادب بالتاريخ ويكون في الوقت نفسه منجماً لاعلى اساليب الاول ولأدق حقائق الثاني, فذلكم هو موسوعة «نهاية الادب» للنويري, الذي يقدم فيه صاحبه مشاهد حية من وقائع التاريخ وكأنه يرقبها من شرف عال ويبث صورة حية عنها تأخذ بالالباب.
ولا ننسى في هذا الباب كتاب «على هامش السيرة» وكتاب «الوعد الحق» لطه حسين فهما مثال على الادب الذي يستوحي التاريخ بألوان من التصرف لا تجور على حقائقه, ويكون سببا في ان يشوق قراءة الى متابعة البحث الجاد (العلمي) في هذه الحقائق..
ولقد كنت قرأت كذلك قصة «العباسية أخت الرشيد» لجورجي زيدان مطلع صباي, واخذت بدواعي الفضول في تضاعيفها, ثم عدت لأقرأها في كهولتي فوجدتها لا تقدم من الروايات التاريخية (واغلبها موضوع) الا ما يخدم فضول القراء, ثم وقع بين يدي كتاب للعلامة طنطاوي جوهري حول العباسة أخت الرشيد, فاذا هو يثبت بالدليل القاطع تنكّب مؤلفها لشروط البحث العلمي وانسياقه وراء تخرّصات المستشرقين وما اخطاؤه (غفلة أو قصداً) من فهم اسباب نكبة البرامكة الذين حاولوا السيطرة على الخلافة العباسية, فكان ما كان من امرهم.
ومهما يكن الامر فإن في كتب التاريخ ذخائر نفيسة للأدباء, يملكون الافادة منها. لكن ذلك مشروط بالقراءة الموضوعية لهذه الذخائر ثم بالقدرة البيانية والتمكن الفني اللذين يقاس بهما الادب, ما استوى أدباً في كل زمان ومكان.
الرأي 2017-05-06