استراتيجية ترامب الجديدة لمكافحة الإرهاب
كشفت مسودة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمكافحة الإرهاب المكونة من 11 صفحة عن نزعة براغماتية واقعية تتجاوز المقاربة الإيديولوجية التي بشر بها ترامب وتتخطى المنظورات «الشعبوية» التي حفلت بها خطاباته فهي تتموضع في ذات الإطار «المؤسسي» الأميركي العابر للرؤساء فالوثيقة التي نشرت رويترز بنودها الأساسية وسوف تصدر قريبا لا تخرج في خطوطها الرئيسية العامة عن الوثيقة التي صدرت في عهد أوباما 2011 بل إنها كانت أكثر براغماتية وتواضعا بالتأكيد على عدم إمكانية القضاء على الإرهاب بشكل كامل وهي عبارة تقع في سياق التعهدات الرئاسية الدعائية ولا تتوافر على مصداقية حقيقية.
هكذا فإن مقاربة ترامب الإيديولوجية المتعلقة بالحرب على الإرهاب التي طرحها إبان حملته الانتخابية تبددت لحساب المقاربة البراغماتية ذلك أن تصورات ترامب الشعبوية المتعلقة بالإسلام ليست كارثية فحسب بل خيالية وخاطئة تستكين إلى صورة مقولبة نمطية في تعريف الإسلام والتطرف والإرهاب أشد اختزالا من الأطروحات الاستشراقية والثقافية تتجاوز مقاربات برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون العلموية ذلك أن خطاب ترامب شعبوي تجهيلي يتسم ياليقين والوضوح والسطحية دون التباس ففي معرض مقاربته للإرهاب يؤكد على أن أمريكا التي يقودها ستدحر «الارهاب الاسلامي المتطرف» وهي العبارة التي اختفت من الاستراتيجية الجديدة كما غابت تعريفاته الإرهابوية التعميمية التي كانت تنحو باتجاه توسيع مفهوم الإرهاب ليشمل كافة حركات الإسلام السياسي.
يمكن الحديث عن أحد الفوارق الأساسية في استراتيجية ترامب الجديدة وهي نزعتها البراغماتية بزيادة الاعتماد على الدكتاتوريات المحلية في مواجهة الإرهاب دون مواربة وهي مسألة كانت حاضرة في الاستراتيجيات السابقة لكنها تتحدث بصورة أشد وضوحا في الاعتماد على الحلفاء وذلك لتجنب الالتزامات العسكرية المكلفة «المفتوحة» حيث تنص الوثيقة على «تكثيف العمليات ضد الجماعات الجهادية العالمية وفي الوقت نفسه خفض تكاليف «الدماء والثروة» الأمريكية في سعينا لتحقيق أهدافنا لمكافحة الإرهاب» وتعترف بأن الإرهاب «لا يمكن هزيمته نهائيا بأي شكل من الأشكال».
على خطى استراتيجية أوباما تقول الوثيقة «سنسعى إلى تجنب التدخلات العسكرية الأمريكية المكلفة واسعة النطاق لتحقيق أهداف مكافحة الإرهاب وسنتطلع بشكل متزايد إلى الشركاء لتقاسم مسؤولية التصدي للجماعات الإرهابية»، وبهذا تتلاشى الفروقات الاستراتيجية مع بروز الخلافات التكتيكية فاستراتيجية ترامب لم تقدم شيئًا جديدًا في اطار محاربة الارهاب على الصعيد العملي وهي تشبه ما طرحه أوباما بخصوص الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وما يطبقه فعلا إذ تحدث ترامب عن عمليات ائتلافية مشتركة من أجل القضاء على تنظيم الدولة وعن تعاون دولي لقطع التمويل عنها واستخدام الطائرات من دون طيار إضافة إلى تعزيز التعاون الاستخبارتي والحرب الالكترونية من أجل تعطيل دعاية تنظيم الدولة وتقويض مساعيها للتجنيد وهي أساليب استخدمها أوباما.
الخطوط الرئيسية في استراتيجية ترامب تتبع وتستكمل استراتيجية أوباما فكما تراجع أوباما عن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان وعزز من الوجود الأمريكي في سوريا والعراق يسير ترامب على ذات الدرب فمن المنتظر أن يتراجع ترامب قريبا عن عمليات الانسحاب التي أمر بها أوباما في أفغانستان إذ يقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن إدارة ترامب تدرس حاليا إرسال قوات إضافية يتراوح قوامها ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف جندي لتعزيز القوات الأمريكية، وقوامها 8400 جندي التي تساعد القوات الأفغانية على محاربة حركة طالبان، وأشار مسؤول كبير بالإدارة إلى أن عددا صغيرا من الجنود أضيف إلى القوات الأمريكية في العراق وسوريا في عهد ترامب وأن ذلك جرى بناء على تقدير قادته العسكريين.
تؤكد الاستراتيجية الجديدة إن التهديد الإرهابي «تنوع في الحجم والنطاق والتطور مما واجهناه قبل سنوات قليلة» منذ أن أعلن أوباما عن آخر استراتيجية أميركية لمكافحة الإرهاب في 2011 قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وبالإضافة إلى تنامي خطر تنظيم الدولة الإسلامية أضافت الاستراتيجية أن الولايات المتحدة وحلفاءها عرضة لخطر تنظيم القاعدة بعد إعادة تشكيله وجماعات أخرى مثل شبكة حقاني وجماعة حزب الله فضلا عن متطرفين محليين نزعوا إلى التطرف عبر الإنترنت.
إن مسودة الاستراتيجية الجديدة أكثر تواضعا في الاستراتيجية التي وضعت في عهد أوباما التي تضمنت نبرة «انتصار» بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في غارة أمريكية في باكستان في مايو 2011 ومع بداية الربيع العربي حيث بدا أن الجهادية العالمية على وشك الأفول والاختفاء النهائي فيما ترسم الاستراتيجية الجديدة صورة أشد واقعية وأكثر دقة حول المخاطر والتهديدات الإرهابية وتقول: إن الجماعات الجهادية «اندمجت تحت فكر الجهاد العالمي الذي يسعى لإقامة خلافة إسلامية عابرة للحدود تؤجج الصراع على نطاق عالمي».
على الصعيد العملي لا تختلف الاستراتيجية الجديدة عن القديمة في التأكيد على تعزيز الإدارة للأمن الداخلي الأمريكي من خلال العمل مع الحلفاء والشركاء للقضاء على قادة الإرهابيين «ومنظريهم وخبرائهم الفنيين ومموليهم ومشغليهم الخارجيين وقادتهم الميدانيين»، تدعو الوثيقة أيضا إلى حرمان المتشددين من الملاذات المادية وغيرها من المنابر الإلكترونية التي يخططون من خلالها لشن هجمات وتدعو الوثيقة أيضا إلى تقويض جهود المتشددين لتطوير ونشر «أسلحة كيماوية وبيولوجية».
تقع الاستراتيجية في ذات الأخطاء التقليدية في التعامل مع الظاهرة الإرهابية فهي لا تتحدث بشكل يذكر عن الترويج لحقوق الإنسان والتنمية والحكم الرشيد وأدوات «القوة الناعمة» وهي مبادئ كانت حاضرة في استراتيجية أوباما لمكافحة الإرهاب التي نصت في مقدمة مبادئها التوجيهية على ضرورة «احترام حقوق الإنسان وتعزيز الحكم الرشيد واحترام الخصوصية والحريات المدنية والالتزام بالأمن والشفافية ودعم سيادة القانون» .
خلاصة القول أن الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الإرهاب لا تزال تركز على المقاربة الصلبة العسكرية والأمنية ولا تتوافر على مقاربات ناعمة ولا شك أن التعامل مع مخرجات الظاهرة الإرهابوية دون التعاطي مع مدخلاتها يقود دوما إلى مزيد من الفشل وهو أمر لا يحتاج إلى تبصر عميق ونظر دقيق، فقد باتت الجهادية العالمية تتصدر المشهد في بلدان عديدة كما أن إيديولوجيتها الخطابية أصبحت أكثر جاذبية فالاعتماد على المقاربة الأمنية العسكرية الصلبة، وإهمال الأسباب والشروط والظروف الموضوعية التي أنتجت الظاهرة الجهادية، وغياب الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أدى إلى نتائج كارثية، وعلى الرغم من وجود شبه إجماع على أن الفساد والاستبداد وغياب العدالة والإنصاف هي الروافع الأساسية لانتشار التطرف العنيف إلا أن مقاربات «الحرب على الإرهاب» لا تزال تصر على علاج الأعراض.
الراي 2017-05-08