طلب صداقة لفاطمة!
على صفحتها في فيسبوك، لا يوجد شيء لقراءته غير صورتين، الصورة الأولى هي البروفايل الشخصي، وهي لوحة تحمل بضع كلمات: عين تبكي شوقا للجهاد، عين تبكي شوقا للشهادة، أما صورة الصفحة فهي لوحة أيضا تضامنية مع الأسرى المضربين في سجون العدو، الذين يخوضون «معركة الأمعاء الخاوية» وسوى ذلك عليك أن ترسل طلب صداقة لفاطمة كي تكون «صديقها» وتشاركها منشورات صفحتها، ومن باب الأمل للحصول على هذه الصدقة المستحيلة في الدنيا، أرسلت لها طلب صداقة، لعله يُقبل في العالم الآخر!
إنها الطفلة الشهيدة الأسيرة المحررة، فاطمة عفيف عبد الرحمن حجيجي، البالغة من العمر ستة عشر ربيعا فقط، تعددت روايات استشهادها، سلطات العدو تقول أنها أشهرت سكينا وصاحت «ألله أكبر» وهذا فعل كاف لدب الرعب في قبيلة كاملة من جنود العدو، فكلمة «ألله أكبر» إنذار بحصول هجوم، وأي هجوم، ما يدفعهم لإطلاق الرصاص بغزارة باتجاه الصوت، في محاولة لقتله، وأنى لهم أن يقتلوه، رواية العدو يعززها زعمه لوالد فاطمة، بأنهم وجدوا في جيب فستان المدرسة الأخضر قصاصة ورق فيها آيات قرآنية، وموقعة باسم: الشهيدة فاطمة، قد تكون الرواية صحيحة، فقد سبق لفاطمة أن حاولت طعن جنود قبل نحو عام من استشهادها، واعتقلت، بعد أسر استمر أكثر من أسبوعين، وقد تكون الرواية كاذبة من أساسها، كل شيء جائز، لكن ما هو لافت ويكشف عن دلالات كثيرة ستبدو لنا لاحقا، ان مستوى الذعر الذي يعانيه جنود الاحتلال أصبح هزيمة نفسية لا يجدي معها غزارة الرصاص الذي ينهال باتجاه كل صوت أو حركة مشكوك فيها، فحسب روايات شهود العيان أطلق الجنود نحو ثلاثين رصاصة، كان الجزء الأكبر في صدر فاطمة وظهرها، واستمر إطلاق الرصاص بعد أن عانق جسدها الأرض بلا حرك، حتى أن الرصاص أصاب سيارة أجرة كانت متوقفة بالجوار، وبناية قريبة، رواية شهود العيان تقول أن استنفار جنود العدو حصل فجأة والصبية على بعد نحو خمسة أمتار من اقرب جندي من جنود العدو، واستمر إمطار الجسد النحيل بالرصاص حتى بعد أن تضرج بالدماء، ليس هذا فحسب، بل منع كل من حاول إسعاف فاطمة من الاقتراب، فبقيت تنزف حتى فاضت روحها، ليكتشف والدها فيما بعد أنها ارتقت صائمة، فهي مضربة عن الطعام منذ خمسة أيام، تضامنا مع الأسرى الأبطال في سجون العدو، وكانت تتذرع بحجج شتى لعدم الأكل كلما كانت تساعد والدتها في إعداد الأكل لإخوتها الصغار، فهي أكبرهم!
والد فاطمة وهو أسير محرر أيضا أمضى نحو عام ونصف العام داخل سجون الاحتلال قبل عشرة أعوام، قال للصحافة: «فاطمة كانت في زيارة لأخوالها وخالاتها في منزل جدها، ولم تكن تحمل سكينا، كانت تود الذهاب للصلاة في المسجد الأقصى من أجل الدعاء والابتهال إلى الله كي يشفي شقيقتها المصابة بالإعاقة نتيجة تشوهات خلقية في العمود الفقري، عقب انتهاء دوامها المدرسي في الصف العاشر الأساسي، ذهبت فاطمة للمشاركة في دورة تعليمية، ومن هناك انتقلت بزيها المدرسي وكتبها، إلى مدينة رام الله، ثم إلى حاجز قلنديا شمال القدس، ومرت عن الحاجز دون مشاكل، إلى أن وصلت إلى ساحة باب العامود، حيث الطريق إلى المسجد الأقصى المبارك».
بغض النظر عن كل الروايات، فاطمة هي أيقونة فلسطينية، تقول لكل من تاجر بدماء أهالي الأرض المقدسة، ومن سيتاجر بها، وقبل ذلك تقول للاحتلال الصهيوني، ما قاله شاعرها درويش: على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ: على هذه الأرض سيدةُ الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين. صارتْ تسمى فلسطين. سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة!
أما أنا، فسأظل بانتظار فاطمة، لتقبل طلب صداقتي، وصداقة ملايين من أبناء شعبها وأمتها!
الدستور 2017-05-15