اضطهاد الرجال
قليلا ما نلتفت إلى حجم المعاناة التي يواجها الرجال في العالم العربي، وتحديدا في آخر عقدين نتيجة للكوارث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة، إلى جانب إرث فشل التنمية وبطء التغيير الاجتماعي والثقافي، في وقت لا مفر فيه من الاعتراف أن معظم تلك المصائب صنعها الرجال، وهذا ما ذهبت إلى إثباته دراسة حديثة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع مؤسسة "بروموندو" الأميركية. إذا ما قرأت نتائج هذه الدراسة بالمقارنة مع مؤشرات تقرير التنمية البشرية العربية الذي تناول أحوال الشباب والصادر نهاية العام الماضي يتضح عمق هذه المعاناة، إلى جانب مصفوفة طويلة من أشكال الاضطهاد التي يواجهها الرجال في هذا الجزء من العالم.
يشير التقرير بقوة إلى تأثير الظروف الاقتصادية الصعبة والبطالة وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في خلق ضغوط كبيرة ومفزعة على الرجال، وكيف تنعكس هذه الظروف في التسبب بأعراض الاكتئاب والإحباط والنقمة بين الرجال، وما قد تقود إليه من أمراض مزمنة أو سلوك شاذ، حيث أعرب ما بين ثلث إلى نصف الرجال الذين شملتهم الدراسة عن شعورهم بالخجل من مواجهة أسرهم بسبب عدم قدرتهم الوفاء بالتزامتهم الاقتصادية، وتحديدا في مجتمعات تؤكد الدور الذكوري التقليدي في إعالة الأسرة.
في المجتمعات المحلية يشكل الاضطهاد الاقتصادي المتمثل في غياب العدالة وتواضع الفرص وانتشار البطالة وظلم الأجور، وتحديدا ما يواجه الرجال في مجتمعات ذكورية، أقسى من الظلم السياسي المباشر على الرغم من عدم القدرة على الفصل بينهما. في هذا الوقت تشير أرقام منظمة العمل الدولية إلى أن المنطقة العربية الساحة الأوسع للبطالة في العالم، وتصل أرقام البطالة إلى حدود مفزعة، حيث وصلت معدلاتها إلى نحو 25 %، وفي وسط الشباب وصلت إلى 29 % مقارنة مع المعدل العالمي 13.9 %. والمشكلة الأكبر أن مؤشرات تراجع فرص العمل مستمرة وهناك اليوم واحد من بين كل أربعة أفراد بدون عمل. وحسب تقرير التنمية العربية الأخير الذي خصص لدراسة أوضاع الشباب فإن الاقتصادات العربية عاجزة عن خلق 60 مليون وظيفة جديدة سيتعين توفيرها بحلول العام 2020 لاستيعاب عدد الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
التأثيرات الإنسانية للأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة تدق عميقا في خلق أجيال جديدة ونمط غير مألوف من السلوكيات الفردية والجماعية، في مقدمة ذلك العنف وسط الرجال الذي يمتد من العنف داخل الأسرة، إلى العنف في الشارع، إلى العنف ضد الآخر، حيث تشير الدراسة السابقة إلى أن هذه الظروف عملت على خلق حالة عنف غير مسبوقة، وهذه الحالة تنقل عدوى العنف بين الأجيال: "تجارب العنف في الطفولة مرتبطة باستخدام الرجل للعنف في حياته الراشدة. العنف يولِّد العنف"، يقاس على ذلك الهجرات غير الشرعية التي يلجأ إليها الشباب الذكور، حيث أصبحت المنطقة العربية المصدر الأول لهذه الهجرات وأغلب ضحاياها من الذكور، وكيف تقود مشاعر الإحباط القاسية إلى انتشار ظواهر وامراض اجتماعية مثل انتشار المخدرات والانتحار وغيرها.
حسب تقرير للأمم المتحدة في نهاية 2016، فإن خسائر العالم العربي خلال مرحلة التحولات والثورات العربية تجاوزت 614 مليار دولار، منها نحو 250 مليارا الخسائر السورية فقط. بينما من المؤكد أن المنطقة وهي تنتظر مرحلة أقسى من تباطؤ الاقتصاد واستمرار تراجع أسعار النفط واستمرار هجرة الثروات، فسوف يدفع الرجال أثمانا مضاعفة، وربما يدفع هذا الاضطهاد إلى نظرة جديدة للأزمة الحقوقية الكبرى التي تعانيها المرأة؛ نظرة أخرى تقوم على المشاركة وإعادة تعريف الأدوار وتحديدا في المشاركة الاقتصادية. وعلى كل الأحوال سنوات صعبة وقاسية تنتظر الرجال والنساء في هذا الجزء من العالم.
الغد 2017-05-15