عن الوعي الوطني والفضاء العربي المستباح !!
صحوت من قيلولة مابعد الظهر لأودع النهار بعد زيارته القصيرة، شعرت بسلام مع النفس لأنني غير محاصر بالوقت الذي يأذن لي باستراحة قصيرة كل يوم، أخالها آخر دقيقة من الزمن، لذلك استغل هذه النعمة الزمنية فامارس كسلي حسب الأصول في فردوس الصمت، واحلم متسلحا بشيء من الأمل، في محاولة للخروج من مربع الأمر الواقع حيث تطل امتنا كلها على صحراء يلفها الغموض والبؤس واليأس والتوتر.
لجأت الى الهاتف المحمول، خشية التوغل في الخلوة والعزلة والوحدة، وكما قال أجدادنا: « قلة الشغل بتعلم التطريز». الهاتف اليوم يستطيع أن يخرجك من عزلتك فهو وسيلة الاتصال والتواصل مع الناس، وبيت الأسرار والمعلومة والمعرفة والتسلية، هو اقرب الى مكتبة علمية للذين يدركون قيمة المعرفة.
تجولت بين نوافذ الهاتف وابوابه، وتابعت بعض ما يدونه ويكتبه المشتركون والمشاركون في النقاش والحوار والتعليق ونشر المعلومة والصورة، فلاحظت ان التكنولوجيا المهمة للانسان في حياته المعاصرة الخطيرة يتم استخدامها في معظم الأحيان للتسلية وقتل الوقت أو للدردشة الفارغة لأمور خطيرة مثل التحريض واثارة الفتن، أو التشهير بالناس بعبارات مبتذلة دون أي احترام خصوصيات وحريات الآخرين.
اللافت أننا نستخدم التكنولوجيا للشر اكثر ما نستخدمها للخير والمنفعة. وما قرأته على صفحات الفيسبوك والواتساب من تعليقات وردود يعطينا صورة واقعية ثابتة عن تراجع مستوى الوعي الوطني والقومي عند الكثيرين، كذلك الهبوط في السلوك والتقاليد والقيم الأخلاقية والانسانية في هذا الزمن الذي يتهاوى فيه كل شيء.
اقفلت الهاتف المحمول والتفت الى شاشة التلفاز، لاحظت انني اشاهد واتابع عددا قليلا من المحطات الفضائية، في حين قائمة القمر الواحد تحتوي على أكثر من ألف فضائية، فقررت أن أكتشف كل ما تحتويه هذه الشاشة من محطات، وجدت أن معظم الفضائيات مخصصة للتبشير الديني أو الأغاني الهابطة، أو محطات الشعوذة وممارسة الطب العشوائي تحت مسمى الطب الشعبي البديل الذي يشفي من السرطان وكل أنواع الأمراض.
الفن الهابط لا يحتاج الى تعليق رغم مشاركته في تخريب الذوق والحس والنفس، ولكن الأخطر أن نجد لكل طائفة محطة تلفزيونية، ولكل مذهب او عرق فضائية، ومعظمها يقوم بالحشد والتعبئة والتحريض ضد الآخر، بشكل يدخل « داعش « الى كل بيت. وأعتقد أن هذه المحطات لا تخضع لرقابة او قانون أو نظام، ولا استبعد ارتباط بعضها او معظمها بتنظيمات عقائدية او عرقية مسلحة متطرفة.
هناك أجماع على ضرورة محاربة التنظيمات المتطرفة بالسلاح والأعلام والفكر، ولكن كيف ستنجح المعركة الأعلامية والفكرية والتربوية ضد الفكر الديني المتطرف في حين يسمح لهذه المحطات بنشر خطابها السياسي الديني المتعصب على الهواء؟!
اسئلة كثيرة تراود المشاهد وتدور في خلده، وفي المقدمة السؤال الذي نسأله مرارا وتكرارا حول مصادر تمويل التنظيمات المتطرفة المسلحة، فمن يمول هذه الفضائيات التي تبث على مدار الساعة دون اعلانات او مصدر دخل معلن؟! يجب ان نعرف أن الفضائيات المحرضة مذهبيا قادرة على جلب البسطاء باستخدام المقدس، بحيث يقع في شباكها الكثير من المضللين الذين يتحولون الى فئة متعصبة تنخر في نسيج المجتمع الواحد، وتتحول الى خلايا نائمة تستيقظ وقت الحاجة.
يبقى السؤال الأهم: الى متى سيبقى الفضاء العربي مباحاً أو مستباحاً أمام الأرهاب، وهل هناك قوانين وأنظمة تضبط وتربط وتراقب وتحاسب، أم أن هذه الفوضى هي من التفاصيل الشيطانية لمشروع «الفوضى الهدامة « وما يسمى الربيع العربي، بهدف استمرار تخريب وتفكيك الدول وهدم المجتمعات على قاعدة طائفية ومذهبية؟!
الراي 2017-05-18