ثلاثون جوعاً نبيلاً!
-1-
كل كلمات التضامن والتعاطف مع الأسرى الذين يصارعون الجوع والقهر والاحتلال، لا معنى لها، أمام لحظة معاناة حقيقية يشعر بها أولئك الأبطال!
حينما يتأخر موعد أكل أحدنا، غالبا ما يبدأ بالصراخ والولولة، فإن كان في البيت صب غضبه على أم العيال والأولاد وربما الجيران، وإن كان في مطعم، فرغ كل جوعه في وجه النادل، وقد يستدعي مدير الصالة لتقديم احتجاج رسمي على سوء الخدمة، و»إهمال» الزبائن، وقد يهدد بأن تكون زيارته الأخيرة للمطعم هي آخر زيارة!
كم نحن نكذب حينما نتشدق بتضامننا، ومشاركتنا في مشاعر الجوعى، لأن أحدا منا لم يجرب تلك المعاناة الرهيبة، ولم يشرب الماء والملح، وإن فعل فمن باب الاستعراض أمام عدسات الكاميرا، أو في بث مباشر عبر فيسبوك أو تويتر!
من المهم أن يشعر الأسرى بأن إضرابهم يجد صدى ما في الخارج، وانهم ليسوا وحدهم، ولكن الأهم أن تأخذ قضيتهم ما تستحق من متابعة واهتمام فعلا لا قولا، خاصة على المستوى الشعبي.
-2-
نشعر بإجلال واحترام جمين لدور فلسطينيي الشتات في حمل قضية الأسرى، وإيصال معاناتهم إلى أبعد بقعة في هذا العالم، ونشعر بإجلال لدور ناشطي مؤتمر فلسطينيي الخارج بحمل عبء القضية حيثما حلوا، ومن يطل على النشاطات التي يقوم بها هؤلاء على امتداد بلاد الاغتراب، ويعجب كيف يجد هؤلاء متنفسهم في التعبير حيث هم، ولا نكاد نرى شيئا من هذا النشاط في بلاد العرب، إلا بعض ما يقوم به ناشطون معينون، ينتمون لتيارات اليسار واليمين، ومع كل هذا فلا نجد مثل هذا النشاط مهما عظم يمكن أن يؤدي الدور الذي يمكن أن تؤديه حكوماتنا العربية التي ترتبط بعلاقات مع كيان العدو، فهي تستطيع أن تؤثر –لو أرادت- على حكومة الاحتلال، وتستطيع أن توظف هذه العلاقة في تغيير مسار إضراب الأسرى، والمساهمة في قطف ثمار معاناتهم، إن لم يكن حتى لعب دور حقيقي في الإفراج عن كثير منهم.
-3-
إضراب الأسرى دخل يومه الثاني والثلاثين، شهر كامل ويزيد من المعاناة التي لا يمكن وصفها، فقد دخل الأسرى المضربون مرحلة صحية حرجة، فقد ازدادت حالات تقيؤ الدم، ضعف النظر، الدوران، الإغماءات وفقدان لقرابة (20 كغم) من الوزن الأصلي، ورغم ذلك فإن رسائل عديدة وصلت من الأسرى يؤكّدون فيها بأنهم مستمرّون في الإضراب حتى تحقيق مطالبهم كافة، هؤلاء أبطال بمعنى الكلمة، ويستحقون أن يكونوا أمثولة تروى للأجيال..
عند الامتناع عن تناول الطعام، فإن جسم الإنسان لا يحصل على البروتينات والدهون والكربوهيدرات المطلوبة، وفي أول ثلاثة أيام من الإضراب عن الطعام، يقوم الجسم باستخدام الطاقة الممتدة من الجلوكوز، وبعد ذلك يبدأ الكبد بمعالجة الدهون في الجسم، وبعد ثلاثة أسابيع يدخل الجسم في وضع الجوع، وفي هذه الحالة تنقص العضلات والأجهزة الحيوية في الجسم للحصول على الطاقة.
-4-
في اليوم الثلاثين من إضراب الأسرى عن الطعام، وعلى ابواب أيام قليلة من بدء شهر رمضان، ثمة أكثر من سبب للشعور بما يعانيه المضربون، وليت من بقي لديهم بقية من مشاعر وطنية، يتذكرون معاناة من لم يزالوا متمسكين بهويتهم ووطنيتهم وكرامتهم!
الدستور 2017-05-18