يوميات صينية: سؤال «الإنفصال والإرهاب»... في شينجيانغ
في اليوم قبل الاخير الذي حفِل به البرنامج المكثف والجميل الذي أعدّه القسم العربي في اذاعة الصين الدولية لمجموعة من الإعلاميين والأكاديميين العرب والآسيويين, في جولة يُشرِف عليها تحت اسم «جولة مشاهير طريق الحرير» والتي تتضمّن زيارة مدن صينية مشهورة على امتداد طريق الحرير القديم في العاصمة بكين ومنطقة شينجيانغ, لِلتعرُّف الى عادات وتقاليد اهل هذه المناطق ومنجزات الصين في مجالات الاقتصاد والثقافة والعلوم والتكنولوجيا, ولِاستكشاف واستشراف القوى الكامنة الضخمة وآفاق المستقبل الواعد لمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ, لبناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين».. كان اللقاء الذي جمعنا مع رئيسة ونائب الرئيسة واربعة عشر باحثا, في اكاديمية شينجيانغ للعلوم الاجتماعية في عاصمة منطقة الحكم الذاتي للأقلية الويغورية... اروميتشي, ساخناً وصريحاً ومفتوحاً, ولم يخرج السجال الذي دار على مدى ساعتين (كان مقرّراً لساعة واحدة) عن اطار الحوار الرامي الى فهم حقيقة ما يجري في هذا الاقليم شاسع المساحة, والتي تصل الى مليون وستماية وستين كيلومتراً مربعاً, وتقطنه مجموعات قومية عددها 13 قومية, تتقدمها أغلبية مسلمة تُعرَف بـِ«الويغور» تصل نسبتها الى 60% من مجموع السكان, الذين يزيدون قليلاً على 23 مليون نسمة.عدد الويغور في حدود العشرة ملايين, وهم يعملون بشكل رئيسي في الزراعة والتجارة وأغلبيتهم تسكن منطقة الجنوب, والكازاخيون أكثر من مليون يشتغلون في الرعي وتربية الماشية وهم يتركزون في الشمال, فيما الاقلية القومية الثالثة في عدد السكان هي قومية «الخوّي», يعملون بشكل رئيسي في قطاع الخدمات,ويسكنون قريباً من العاصمة اروميتشي.
ما طرحناه من اسئلة... كان يستهدِف معرفة الصورة الحقيقية للأوضاع في تلك المنطقة,التي وان كانت معروفة كـَ«مشكلة» لدى من يتابع المشهد الصيني منذ نجاح الثورة واقامة جمهورية الصين الشعبية في العام 1949 وهروب تشان كاي تشيك الى جزيرة تايوان, بعد هزيمته الساحقة أمام الجيش الأحمر... الذي قاده ماوتسي يونغ، كان يدرك – المُتابِع – ان ثمة دعوات داخل منطقة شينجيانغ لـ«الإنفصال» على نحو تم تصويره وكأن المسلمين اصحاب الأغلبية السكانية.. هم الذين يُطالِبون به، وخصوصاً أن المتأسلمين وبخاصة من العرب وبعض الدول الإسلامية, التي لا تربطها علاقات جيدة بالجمهورية الصينية، حرصوا على تصوير المسألة بأنها نوع من المطالبة بتقرير «حق المصير» ويتعرضون للقمع «فقط» لأنهم «مسلمون», رغم ادراك هؤلاء – او جهلهم – بأن الصين التي يُشكّل سكانها خُمس سكان المعمورة, مكوّنة من «56» قومية أكبرها وأضخمها هي قومية «الهان» التي تسكن كل المناطق، ما يعني ان عقد هذا البلد سينفرط بالتأكيد, اذا ما سعت كل «قومية» الى الاستقلال أو الانفصال وسيدخل ذلك البلد المُدهِش, الذي يسير في شكل حثيث ومدروس وهادئ, وضمن خطط زمنية محددة بصرامة ومُجدّوَلة على نحو يثير الاعجاب (ولدى بعض القوى الكبرى والعظمى.. المخاوِف والغضب وربما الغيرة والتآمر) في حروب اهلية ومواجهات, نحسب ان ما جرى بين «الكومنتاغ» الذي قادهم «تشان كاي تشيك», بانقلابه على تحالفه مع الشيوعيين الصينيين, وتجاهله الاحتلال الياباني (قبل هزيمته ودحر المحتلّين اليابانيين) سيكون مجرد نزهة مقارنة, بما حدث«قبل».. العام 1949.
كنتُ اول المتحدثين بعد ان قدّمت رئيسة الاكاديمية (وهي من القومية الكازاخية) شرحاً مفصلاً عمّا تقوم به الاكاديمية وعرّفت بالباحثين وتخصصاتهم، فسألتُ ما اذا كان لدى الباحثين «حرية مضمونة» في البحث؟، وهل يحظى إنتاجهم بالتقدير وتُؤخَذ توصياتهم وما يتوصلون اليه, وبخاصة من قبل الحكومة في اروميتشي (وعلى مستوى الحكومة المركزية في ما خصّها)؟ فضلاً عن مدى انتشار خطاب الداعين الى الانفصال, وما اذا كان هذا الخطاب, يجد قبولا او مساندة من قبل أقلية الويغور المسلِمة؟.
فاجأني ان أحداً لم يغضب أو يجد في اسئلتي (وزملائي) خروجاً على مألوف ما رغِبوا ( ربما) في سماعه، اضافة الى ان ما تم طرحه من اسئلة ومداخلات كشف عن اطّلاع ولو نسبي, على ما يحدث في منطقة تشينجيانغ وإن كان الزملاء « الأتراك » وهم نصف عدد المشاركين (عددهم «6» من 13 مشاركاً),الذين يبدون تعاطفاً مع الويغور ويرون فيهم «أتراكاً»، بل ان اردوغان وقبل ان تُسارِع بيجين الى كبح اندفاعته وإسكاتِه, ذهب بعيداً في «تبنّيهم»,معتبرا اياهم «إخوَته» واصفاً اقليمهم بانه تركستان الشرقية, وانهم يتعرضون للإضطهاد (على حد زعمه).
هذا ايضا.. وقبل ان ندخل في الاضاءة على ما أورده الباحثون من معلومات حول ما يجري داخل المنطقة، يستدعي التوقف عند مساهمة المتطرفين «الويغور» في الحرب على سوريا, وإدارة أبشع أنواع الإرهاب فيها وبخاصة الحزب الإرهابي الذي يشارك في هذه الحرب، والمعروف بـ«الحزب التركستاني» حيث يتصدّر ارهابيوه «كتائب» المُنتحِرين الذين يحملون اسم «الانغماسيون», تعتمد عليهم جبهة فتح الشام / النصرة وداعش , في التمهيد لاقتحاماتها لمعسكرات الجيش السوري والاحياء والمدن السورية, كان آخر تقرير استخباري اصدره مركز الابحاث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية قبل شهرين ونشرته صحيفة «يديعوت احرونوت», قد قدّر عددهم بثلاثة آلاف مقاتل، فيما تُقدّر تقارير أخرى العدد مضاعفاً، لكن معظم المراقبين يُجمِعون على تورّط انقرة في تسهيل مهمة هؤلاء وتوفير الدعم لهم, نظراً للروابط العِرقية (المدّعاة) ورغبة في مزيد من النفوذ والظهور بمظهر اللاعب الاقليمي... القوي والمُؤثِّر.
الراي 2017-05-31