الفوبيات القاتلة !!!
الاشد فتكا وتنكيلا من الفقر هو الخوف الدائم والمتصاعد منه، وقد يكون الخوف من المرض هو بحد ذاته مرضا مستعصيا لا شفاء منه، كما في مسرحية موليير الشهيرة عن الديوث الواهم، انها فوبيات قاتلة تهجع في الذاكرة او اللاوعي وتحرم ضحاياها من المغامرة، لأنهم من فرط الخوف يبحثون عن الطرق المطروقة التي يقع فيها الحافر على الحافر كما يقول البلاغيون، وقد يبطل العجب اذا صادفنا احد الاثرياء ممن يملكون ما يكفي ثلاثة اعمار على الاقل وهو يرتعد هلعا من الفقر اذا عرفنا السبب، والمسألة كلها متعلقة بالطفولة، وهناك من يمتطيه الفقر حتى يكسر ظهره مقابل آخر يحول فقره الى مطيّة ويعدو به لاجتراح آفاق لا يبلغها الاخرون!
وفي عالمنا العربي تزداد نسبة هذه الفوبيات جيلا بعد جيل، لأسباب منها عدم الشعور بالاستقرار وبأن المستقبل ليس مأمونا ومنها ان من يراهن على منظومة القيم والمفاهيم ويحاول التناغم مع ذاته، يكتشف بعد فوات الاوان ان ما يتحكم بالواقع لا علاقة له بهذه المنظومة، لأن ما يهدد الكفاءة والاستحقاق المشروع ثالوث الفهلوة والنفاق والوشاية، وما يقوله علماء النفس عن هذه الفوبيات اخطر بأضعاف مما نتصور، فهي تبطل مفاعيل الارادة وتشلها كما انها تحول الفقر والخوف والمرض الى اشباح، ويصاب الانسان بأمراض نفسية منها اعتقاده ان العالم كله يريد به شرا وان الاخرين هم الجحيم، وان لقمته في فم غيره وان عليه ان يحك جلده باظفره لأنه وحيد والاخرون من حوله اعداء الى ان يثبتوا العكس .
انها فوبيات افرزتها تربويات محتقنة ومسممة تشحذ الانانية الى اقصاها، ولو شئنا سرد قائمة من الامثال والاقوال المأثورة التي تجعل من الاخر عدوا لما انتهينا، وثمة عشرات منها نستخدمها في حياتنا اليومية، وتتسلل الى وعي وذاكرة اطفالنا مما يهدد تاريخنا بأن ينمو دائريا ويعود دائما الى اوّل السطر !
واحيانا تتحالف عدة فوبيات على الانسان المذعور وقد لا يطيق البقاء على قيد الحياة وتتعدد اشكال انتحاره !!
الدستور 2017-05-31