المعارضة تحت الاحتلال
كما أشرت في المقال السابق، فإنّ المعضلة التي يواجهها الفلسطينيون لا تقتصر على صعوبة قيام سلطة تحت الاحتلال، وصعوبة المزاوجة بين التحول لسلطة، ومتطلبات التحرر من الاحتلال، بل وأيضاً أن تكون معارضة لسلطة (أو منظمة) تحت الاحتلال، دون أن تتهم بأنك تعارض الجهة الخطأ، وأن جهدك يجب أن ينحصر بمواجهة الاحتلال، ودون أن تقع بالفعل في فخ إهدار الطاقة على خلافات داخلية وثانوية.
أول وأهم القواعد، هي تركيز المعارضة على الأداء والسياسات بدل الأشخاص والمؤسسات. وأن تتركز المعارضة الداخلية، على مدى كفاءة القيادة والفصائل الفلسطينية في تحقيق وظيفتها الأساسية، وهي مواجهة الاحتلال. وعدم السعي كذلك لاستبدال المؤسسات الوطنية الجامعة بأطر منافسة، بل نشر دراسات ومعلومات تتعلق بالمؤسسات القائمة، وبأكبر قدر من الحرفية، والبعد عن التوظيف السياسي الفصائلي، أو التساوق معه. وعلى سبيل المثال، يجدر جمع ونشر معلومات، عن مؤسسات مثل اتحادات الطلاب، والمعلمين، والمجلس الوطني الفلسطيني، والدعوة للتغيير والتعديل والإصلاح، وطرح مطالب وبرامج محددة للتغيير.
ثاني القواعد، أن لا يؤدي الاهتمام بالسياسات الداخلية لتناسي مواجهة الاحتلال. وبالتالي تطوير برامج مواجهة.
ثالث القواعد، تطوير برامج وبدائل تنموية، واقتصادية، ومعيشية، ذات محتوى مقاوم. فلا يمكن دخول انتخابات بلدية، وفتح مصانع ومشاريع، وسن قوانين ضرائب، لا يكون مركز التفكير فيها، هو الابتعاد عن الاحتلال. ويمكن أن تنشأ جهة مثلاـ مهمتها تتبع أي سياسة لترى كم تؤدي للابتعاد عن الاحتلال.
رابع القواعد هي عدم تقبل تركيز العمل الفلسطيني على الأراضي المحتلة العام 1967، على حساب باقي فئات الشعب الفلسطيني. وأي مؤتمرات، أو أطر عمل، يجدر تصميمها لتكون جزءا من شبكة، شاملة، تنطلق من السعي للعمل ضمن أطر منظمة التحرير، وتحت مظلتها، ويكون جزء أساسي من هدف العمل فرض تفعيل المنظمة، مع إعلان وحدة الشعب ضد عمليات إعادة التعريف إلى 48 و 67 وشتات.
خامس القواعد، هي أنّه بموازاة رفض القيود الاقتصادية التي تكبّل السلطة الفلسطينية، يجدر عدم الغرق بتقبل مساعدات وتمويل دول عربية أو إقليمية، والسعي لا للتمويل الذاتي وحسب، من خلال الأثرياء والفلسطينيين عموماً، ولكن المطالبة، بنظام شفاف لميزانية منظمة التحرير، والمطالبة بتمويل المنظمة للمؤسسات المدنية الفلسطينية، واجتراح آليات لرفد المنظمة بالتمويل، من نوع إعادة تفعيل برامج اقتطاع ضريبي من رواتب الفلسطينيين في دول مختلفة، كما كان عليه الأمر في دول الخليج العربية، سابقاً، على أن يكون ذلك وفق نظام مالي شفاف شامل.
سادس القواعد. إنّ ما ورد في النقطة الأولى، أعلاه، من ضرورة عدم شخصنة المعارضة، لا تعني أبداً تجاهل أنّه يجب أن يكون واضحاً أنّه لا يوجد أشخاص أو فصائل، مقدسّة، وأن تبادل السلطة ممكن ومحبّذ. ومن هنا فإنّ جزءا من المعارضة يمكن أن يتجه لإعداد أطر عمل جديدة، إذا كان إصلاح الفصائل غير ممكن. وهذه الأطر سواء أكانت شبكات، أم فصائل، أم جمعيات أهلية تشتغل بالعمل الوطني، من حقها أيضاً أن تفرز قيادات وكوادر جددا، يأخذون شرعيتهم من القبول الشعبي وصندوق الاقتراع. لكن دون أن تطرح هذه الأطر نفسها كممثل سياسي أمام العالم الخارجي، وإن كان يحق لها أن تدّعي تمثيل أعضاءها داخلياً في السياسة الفلسطينية، فمن الإيجابي بروز أطر عمل فلسطينية في الساحة الفلسطينية، ومن المحرّم وطنيّاً ادعاء التمثيل خارجيّاً.
سابعاً، التركيز على أطر وخطط العمل المستقبلية، أكثر من التركيز على توجيه اللوم والنقد. بمعنى آخر عدم الاكتفاء برفض البرامج أو المواقف أو السياسات الحالية والسابقة، بل تقديم برامج بديلة، تطرح للشعب، من داخل الشعب.
ثامناً، تفعيل كل أطر العمل القانونية والشرعية لضمان أكبر حيز من حرية الرأي، وبالتالي تعزيز هيئات حقوق الإنسان، شريطة أن تعنى بمجمل الوجود الفلسطيني، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنّ هيئات شعبية لمراقبة الإعلام الرسمي الفلسطيني، وكذلك، تتبع المسؤوليات التي التزمت بها المؤسسات الرسمية، بموجب انضمامها للهيئات والاتفاقيات الدولية، في الشأن الداخلي الفلسطيني، تعتبر من الأمور الواجب على المجتمع المدني أن يعتبر تتبعها من حقوقه وواجباته.
هذه مجرد أفكار أولية لبدء التفكير بقواعد عمل وأجندات لمعارضة سلطة تحت الاحتلال.
الغد 2017-05-31