مقالة نادرة لحسني فريز رحمه الله
وهي مقالة طلبت اليه ان يكتبها لمجلة «الرائد العربي» حينما كنت مديراً لتحريرها. ونشرت في العدد الثمانين منها يوم الخميس 30/3/1989 وكانت بعنوان «خواطر حول الحداثة».
ويبدأ الاستاذ حسني فريز مقالته بسؤال مشروع لكل قارئ للشعر أو متذوق له أو ناقد, وهو: «لماذا يريدون منا ان نبارك كل ما لا يفهم وما لا يعقل؟».
ثم يقول إن «اهل الحداثة في الشعر ومن يشدّون على أيديهم يريدون منا ان نبارك كل ما لا يفهم وكل ما لا يعقل لمجرد أنهم يصفونه بالحداثة, ومن أقوالهم: «النجم القطبي يداعب فأراً صغيراً» وما شابهه من العبارات, ويريدوننا ان نفهم ان هذا القول العجيب شعر وكذلك قول قائلهم: «إن كليتيك مطبوختان تحت الشمس» وقول آخر: «إن مرآتي التي ليست لي ليست بالضبط لأي احد, انها تتجاهل الخمرة الرفثاء(!)..
ويقول الاستاذ حسني فريز رحمه الله: «هذا الكلام المتناقض الذي لا يفهم ولا يرمي الى غاية, لا حسنة ولا سيئة, يحيّرني, وأنا اقرأ لشاعر عظيم مثل شكسبير فأفهمه, وهؤلاء الشعراء النكرات يجيئون بما لا يفهمونه هم أنفسهم».
وبعد أن يورد الاستاذ حسني فريز مقطعاً مما يزعمونه شعراً كان قرأه في احدى الصحف الاردنية يقول: «نحن أو أي انسان غير محدث (!) لا يستطيع أن يفهم هذا الكلام, فهل يفهمه صاحبه؟ وكيف؟»
ثم يقول بعد ذلك ما ننقله حرفياً عنه لأهميته:»
«الشعر ايها السادة معنى ومبنى وقيم وموسيقى.
وأحب أن أقول إن الحداثة يبرز فيها الشاعر العمودي الفذ, ودليل ذلك «راضي صدوّق» و»حيدر محمود» فإن قصيدة حيدر «ايوب الفلسطيني» من نفس المتنبي, وإن ألدّ عدو (ناقد) لا يستطيع إلا أن يصفق طرباً لهذا الشعر. و»راضي» في واحد من دواوينه أحس وأنا اقرأ قصيدة له بنفحات البحتري وأحس ازاء قصيدة اخرى انها من مختارات أبي تمام, فأنا أعيش وأنا اقرأ ديوان راضي صدوق «امطار الحزن والالم» كأنني في زمن العباسيين».
ثم يقول: «إن قصائد بدر شاكر السياب العمودية جيدة جداً, وانا لست تحت تأثير سحرها الان كما انا مع راضي وحيدر».
وبعد أن يتبين الاستاذ فريز موقفه من شعر ادونيس وغيره من مدّعي الحداثة يقول: لقد «مضى عليّ اكثر من ستين عاماً وأنا انظم الشعر واقرأه, فكيف تفسّرون انني لا افهم, الا نادراً, كثيراً من هذا الشعر الحديث؟ وهل يجوز لمن كان مثلي أن يستغلق عليه فهم الكثرة الساحقة من هذا الشعر.. لو كان شعراً؟
***
تلك رؤية نقدية جديرة بالاهتمام من شاعر وروائي ومثقف كبير. ولعلنا ان نتبين بها ان شعر البحور لم يستنفد, ولا ينبغي له, طاقته الابداعية, وان الغيرة انما هي بوجود الشاعر المقتدر, وان الموسيقى جزء حميم من الشعر أو هي بعض ماهيته, وأن من شأن الجمال ان يكون واضح السمات, وان لا تحتبس العجمة والغموض روائعه البيّنات.
ثم إن في شهادة الاستاذ حسني فريز للشاعرين الكبيرين «حيدر محمود» و»راضي صدوق» واعتبارهما امتداداً حيّاً للمتنبي والبحتري, ما يؤكد مقولة الشاعر والناقد الانجليزي «توماس ستيرنز اليوت»: إن اكثر الشعراء قدرة على التجديد هم اولئك الذين نلمس في قصائدهم نبرات الاجداد.
***
رحم الله فقيدينا الكبيرين: حسني فريز وراضي صدوق.
واطال في عمر شاعر الاردن الحديث الاستاذ حيدر محمود.
ولحديث الشعر (حقيقه وزائفه) بقية, وله شجون..
الراي 2017-06-03