عنوانيوميات صينية: سؤال الدين والقوميات في شينجيانغ
عدد الباحثين في أكاديمية شينجيانغ للعلوم الاجتماعية كبير نسبياً، إذ يصل الى 226 باحثاً, فيما عدد الموظفين 192،منهم 86 في الدرجة العليا و15 خبيراً فضلاً عن أنهم من قوميات مختلفة (11 قومية), وهي اشارة لا تخلو من دلالة عند الحديث عن هذه المسألة, التي هي ذات «بُعد» خاص في هذه المنطقة التي تتمتع بالحكم الذاتي وتتوفر على مساحة شاسعة جداً(مليون وستماية وستون الف كم2) وعدد قليل من السكان( 23 مليون نسمة)، وتشكل في الوقت ذاته «همّاً» للحكومة المركزية في بكين، كون دعوات الانفصال المحمول على ممارسات ارهابية وعنف وتطرف ينطلق منها، وبخاصة ان اغلبية سكانها من قومية «الويغور «التي تدين بالاسلام, ووجد متطرفوها في الحرب على سوريا فرصة وهامش مناورة لزيادة نفوذهم واكتساب بعض «الخبرات» من الارهاب الذي يعصف ببلاد الشام, كما اختار هؤلاء المنظمات الارهابية ذات السجل الاكثر والابشع دموية(داعش والنصرة) لينخرطوا في صفوفها, بمساعدة جليّة وتعاطف معروف ومُوثّق من تركيا, التي تنظر اليهم كامتداد عِرقي ولا تزال تصف منطقتهم بانها «تركستان الشرقية» وترفع عقيرتها دفاعاً عن «مظلوميتهم» المزعومة، فيما هي لا تقيم وزناً لمواطنيها من الأعراق والإثنيات غير العثمانية والسلجوقية كالاكراد مثلاً, الذين يصل عددهم الى ربع سكان تركيا ذات الثمانين مليوناً فيما الويغور لا تتجاوز اغلبيتهم ال60% من عدد سكان منطقة الحكم الذاتي في شينجيانغ, وعلى نحو يزيد على الملايين العشرة... بقليل.
ما علينا..
في لقاء مع نائب رئيس اللجنة الاسلامية في اروميتشي,وهو بالمناسبة شيخ مُلتح وصاحب «سمت» اسلامي واضح, اسمه عبدالرقيب ويحتل منصباً رفيعاً في شؤون المسلمين هناك، اضاء على اوضاع المسلمين من الويغور وتحدث باسهاب عن نشاطات اللجنة المكلفة بشؤون التعليم, وشرح في زهو كيف تطور المعهد الذي كنا في رحابه, من مجرد «حرَم» الى معهد كبير يقوم بتأليف الكتب الإسلامية ويدرِّس العلوم الفقهية واللغة العربية والقرآن والحديث النبوي, بل وأَسمَعَنا أحد الطلبة بصوت جميل ورخيم وبلغة عربية سليمة آيات من الذكر الحكيم، فيما كان المعلم يُدرِّس لتلاميذته الذين يضعون على رؤوسهم «طواق» اسلامية، قواعد اللغة العربية وباللغة «الويغورية» وليس بالصينية، رغم انهم يتحدثون الصينية, حيث هناك من يُفبرِك ان لغتهم القومية تُحارَب وان «لا» مظاهر اسلامية مسموح بها, وغيرها مما يحفَل به إعلام الداعمين للجماعات الارهابية الذين يريدون نشر الفوضى في كل مكان.
الشيخ عبدالرقيب اخبرنا( والعهدة عليه) ان عدد المساجد في منطقة شينجيانج يصل الى 23 الف مسجد, ورأينا بأم أعيننا المساجد الفخمة ذات القباب والمآذن العالية والجميلة وذات المعمار الاسلامي الواضح في العاصمة اروميتشي وخارجها، بل صلّى زملاء لنا فيها واقام بعضهم صلاة «التراويح» في احد مساجدها, الذي يقابِله وعلى بعد امتار قليلة مسجد آخر لا يقل فخامة عنه, وتم رفع الآذان على نحو مسموع وواضح.
إمام آخر(وهو عائد للتو من دورة علمية في الازهر) واسمه عبدالشكور, والإمام في الصين ليس هو «الخطيب», اخبرَنا ونحن نتناول افطار اول يوم من رمضان الجاري في منزله, بترتيب من الهيئة المُنظِّمة للجولة, ان ثماني معاهد سيتم افتتاحها قبل نهاية العام 2017، وان كل الترتيبات باتت جاهزة, وإن كان هناك بعض النقص في الكوادر يجري استكمالها من حملة شهادة الدكتوراة او الأقل درجة كالماجستير والبكالوريوس, على ان يجري ابتعاثهم لاستكمال دراساتهم في الازهر الشريف.
ليس ثمة صحة في الشطط والمبالغات التي تواصِل جهات معروفة العزف عليها, من أجل إثارة اقلية الويغور ودعم دعوات الانفصال في الصين وبخاصة المنظمة المعروفة باسم «المؤتمر الويغوري العالمي» (WUC), التي تبثّ اخباراً ملفقة عن منع الصيام في المنطقة والإبقاء على المطاعم «مفتوحة», وكأنها تُغلَق في بلاد العرب والمسلمين، ناهيك عما تُشيعه من اختلاقات حول منع الاسماء الاسلامية, ونحن تعامَلنا وتحاوَرنا مع شباب وشيوخ و»نساء» لهم اسماء اسلامية واضحة مثل محمد وفاطمة, ولهم ابناء وبنات «صغار» يحملون ذات الاسماء التي يحملها اي عربي او مسلم, علماً انهم يكتبون بالحرف العربي الذي ألغاه اتاتورك واستعاض عنه بالحرف اللاتيني, كما ان لغتَهم موجودة على «العملة» الصينية وتحمل محالهم التجارية ومؤسساتهم حروف لغتهم مُنفرِدة إن ارادوا, ومع الصينية إذا شاؤوا, دون ان يمنعهم أحد او يحول دون ممارسة حياتهم الطبيعية والإعتزاز بثقافتهم وتراثهم وفلكلورهم واغانيهم بلغتهم القومية, والتي تُشاركهم باقي القوميات الزهو بها, كل حسب طريقته.
ما يبعث على الارتياح... ان خطاب الارهابيين والمتطرفين, لا يلقى صدى لدى الاغلبية, واعتبار الحكومة المركزية ان القيام بالمزيد من التنمية وتطوير المنطقة, هو أمر مُلِح وأولوية عاجلة, وهو ما يلحظه الزائر في ورشة الإعمار الدائرة هناك بحماسة,في الوقت ذاته الذي تُعلِن فيه بصرامة.. انها ماضية في محاربة الارهاب ودعاة الإنفصال بلا هوادة أو تردّد.
الراي 2017-06-04