العرب في اليوم السابع..!
في 4 حزيران (يونيو) قبل 50 عاماً بالضبط، كان التوقُّع هو السيد في المنطقة بعد التصعيدات الأخيرة بين العرب ودولة الكيان الصهيوني. كان العرب ينتظرون شيئاً، أيّ شيء وكل شيء، إلا الهزيمة. كان الانطباع أن العرب أُخذوا على حين غرة في العام 1948، حين كانوا خارجين تواً من احتلالات طويلة. أما الآن، بعد 19 عاماً من الاستقلال واستنهاض الروح القومية، فقد اختلفت الأمور، وجاءت الفرصة للتخلص من العار القديم. لكن كل شيء في المنطقة تغير إلى الأبد في ستة أيام لخصت أحداثها صحيفة "الغارديان" وقناة "الجزيرة" كما يلي:
5 حزيران (يونيو) 1967: بعد اطلاع الحكومة الإسرائيلية على إيجاز بأن الأردن ومصر وسورية تستعد للهجوم على ثلاث جبهات، تأمر إسرائيل بشن هجوم جوي مفاجئ على القوات الجوية المصرية، وتدمر معظم طائراتها على الأرض. ثم يتم استهداف المطارات الأردنية والسورية أيضاً. وفي الرد، تشن سورية والأردن، ومعهما العراق، غارات جوية على حيفا ونتانيا وأهداف إسرائيلية أخرى.
6 حزيران: في تقدم سريع جداً، تستولي إسرائيل على غزة ورأس النقيب وجبل لبنى من مصر. وفي القدس، يحتل المظليون الإسرائيليون "تل الذخيرة" من الجيش الأردني، ما يفتح الطريق للاستيلاء على القدس الشرقية والبلدة القديمة.
7 حزيران: يرفض الزعيم المصري ناصر مقترحاً من الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار. ومع تقدم إسرائيل إلى سيناء، تستولي قواتها على نابلس وأريحا.
8 حزيران: تحتل إسرائيل مدينة الخليل في جنوب الضفة الغربية بينما تقبل مصر بوقف لإطلاق النار.
9 حزيران: تقوم القوات الإسرائيلية بهدوء باحتلال سيناء كلها حتى شرم الشيخ، وتأمر بشن هجوم للاستيلاء على مرتفعات الجولان.
10 حزيران: يبدأ هجوم القوات الإسرائيلية على سورية، وتتمكن من اختراق الدفاعات السورية شمال هضبة الجولان.
11 حزيران: تواصل القوات الإسرائيلية اختراقها للدفاعات السورية على طول الجبهة في الجولان وتصل إلى القنيطرة، وتعلن سورية قبولها وقف إطلاق النار الساعة السادسة والنصف من مساء من ذلك اليوم. (انتهى).
* * *
في اليوم السابع، كان كل شيء قد انتهى. فلسطينيو 48 النازحون في الضفة وغزة إما خرجوا من كل فلسطين، أو أصبحوا لاجئين في الوطن تحت الاحتلال. وفلسطينيو 67 تحولوا هم أيضاً من مستضيفين إلى لاجئين، أو شاركوا مواطنيهم خبرة الاحتلال الطويل. والعرب جميعاً صحوا على واقع مختلف تماماً عما كان عليه قبل أسبوع واحد فقط. اكتملت الهزيمة وتبددت الأوهام. والآن، بعد 50 عاماً من أول الأيام الستة، ما يزال العرب يعيشون ذلك اليوم السابع نفسه، وكأن الزمن توقف هناك.
لم تكن هزيمة 67 عسكرية وفصلاً من معركة كر وفر. كانت هزيمة نفسية تضافرت مختلف الظروف على تعميقها وإدامتها. وإلى جانب القوى العالمية الهائلة التي دعمت كيان الاحتلال في فلسطين بكل وسيلة، واشتغلت السلطات العربية على تضخيم "البعبع الإسرائيلي" وتخويف شعوبها وقمعها بذريعة "حالة الحرب"، وبررت بها الأحكام العرفية ووسم أي مطالبات بالتخلص من الهزيمة بأنها تخريب وتهديد للأمن القومي.
والآن، بعد 50 عاماً من عمل الخارج والداخل على فرض وجود كيان الاحتلال وتطبيع الانهزامية، لم يعد أحد يطالب بفلسطين التاريخية التي احتلت في العام 1948. وبدلاً من ذلك، أصبح المطلب هو مجرد التعتيم على هزيمة 67 بأي وسيلة. وكأن الخطاب الرسمي العربي –والفلسطيني- يردد تنويعاً أو آخر من توسل: يا إسرائيل، نرجوكِ، خذي كل شيء، خذي دعمنا واعترافنا ومباركتنا، تاجري معنا وادخلي بيوتنا وانتسبي إلى عائلتنا، ولكن أعطنا أي أرض تشبه دولة فلسطينية في أراضي 67، وخلصينا من عار تلك الأيام الستة. في جوهره، يشبه هذا الحل كثيراً تزويج المغتصبة للشخص الذي اغتصبها بسبب انعدام البدائل وادعاء التخلص من العار. وللذين يتحدثون عن تعايش بين الغازي والمستباح، سيكون هذا هو نوع "التعايش" بين الكيان العدواني الغريب بنيوياً عن ثقافة المنطقة ونسيجها، وبين العرب الذين يشترون مظهر العِزّة بالتنازل من موقف الهوان والضعف؛ تماماً مثل التي تعيش زوجة لجلادها ويجب أن تتظاهر بالحب. لكن "التعايش" بهذه الشروط ليس سوى لصق لورقة توت على الهزيمة، وتطبيع لعيشنا الأبدي في ذلك اليوم السابع من حرب 67!
الغد 2017-06-04