الجامعة الأميركية في بيروت وتحرير العقل
احتفلت الجامعة الأميركية في بيروت الأسبوع الماضي بتخريج فوجها الثامن والأربعين بعد المائة، وقد شاركت في هذه الاحتفالات كوني عضوا في مجلس أمنائها.
للجامعة الأميركية فضل كبير على المنطقة بشكل عام وعلى الأردن بشكل خاص، وقد تخرجت من كنفها شخصيات سياسية واقتصادية ومجتمعية أردنية كثيرة، ومنهم تسعة رؤساء وزارات كان للعديد منهم بصمات واضحة على الحياة السياسية. أربعة رؤساء وزارات منهم، وهم سليمان النابلسي ووصفي التل وعبد الحميد شرف وعبد الكريم الكباريتي، جمعت بينهم صفة مشتركة انهم جميعهم مارسوا الولاية العامة كما نص عليها الدستور، وانهم اعتمدوا مقاربات غير تقليدية وجريئة للتحديات الداخلية والخارجية، فكانوا أصحاب دولة ورؤية بكل ما في الكلمة من معنى.
لا شك لدي ان نوعية التعليم الذي تلقوه في الجامعة كان له فضل كبير في ذلك، اذ ان اهم ميزات الجامعة الاميركية تركيزها على تعليم الفكر الحر والنقدي من خلال نظام تربوي يشجع ذلك بغض النظر عن المساق الذي يدرس، ما جعل خريجيها بشكل عام متميزين في المنطقة ليس فقط في الفضاء السياسي بل الاقتصادي والمجتمعي ايضا. وعبر المائة والخمسين عاما الماضية، ساهمت شخصيات عربية وأردنية كثيرة تخرجت من الجامعة في بناء أوطانها وأجيالها القادمة، يستحضرني منهم ناصيف اليازجي وجرجي زيدان وعزت طنوس وفارس الخوري وناظم القدسي ووليد الخالدي وكمال الشاعر وكمال الصليبي واحسان عباس ووداد القاضي ومخلوف حدادين وزها حديد وسميح دروزة وريما خلف.
لا يتم الإبداع والابتكار الا من خلال فضاء حر لا يقبل بالقوالب الجامدة ولا يعلّب التفكير بل يسمح للفكر باستكشاف الآفاق الواسعة، ما يؤدي الى مقاربات خلّاقة للتحديات وحلول مبتكرة لها. لم تكن المنطقة العربية أحوج لمثل هذا النظام التربوي أكثر من اليوم. وفي حين ان الجامعة تحمل اسما اميركيا، الا انها ترعرعت في بيئة عربية وحملت هموم هذه المنطقة، بل أسمح لنفسي أن أقول إنها نجحت في تخريج أجيال قادرة على التفكير خارج الصندوق، وهو ما لم تفلح به أغلب جامعات العالم العربي التي تشهد اليوم، ليس فقط جمودا، ولكن انحدارا واضحا في نوعية التعليم. وفي حين أن العديد من الجامعات الأجنبية تعلم التفكير الحر ايضا، فإن ما يميز الجامعة الأميركية تجذرها في المنطقة واهتمام أساتذتها كما تلاميذها بهموم هذه الرقعة من العالم ومستقبلها.
وللأسف، فقد تم استنساخ النزعة السلطوية في العالم العربي لإدارة البلاد، كما تم نقل النظام الأبوي الريعي في مجتمعاتنا، للحرم الجامعي، فأصبحت جامعاتنا، مع استثناءات قليلة، ليست أكثر من مدارس كبيرة لتعليم تلقيني جامد لا يفتح آفاق الطلبة، قاصر عن تعليمهم كيف يفكرون وكيف يحللون وكيف ينتقدون وكيف يحلمون لمجابهة التحديات وتحويل أحلامهم إلى حقائق. لا عجب إذن إن لم تتمكن الغالبية العظمى من جامعاتنا في العالم العربي من الظهور على قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم، بينما تظهر الجامعة الأميركية على قائمة أفضل مائتين وخمسين جامعة على القائمة.
مع انتهاء الحقبة النفطية، علينا أن ندرك أن تقدم الوطن العربي لا يستطيع أن يبقى معتمدا على ثقافة ريعية غير إنتاجية، ومقاربة أمنية أحادية الأفق، ففي إصرارنا على غلق الفكر والأفق دمار مؤكد. وحده تحرير العقل يؤدي إلى خلاصنا، وهو من أهم المعارك التي ينبغي خوضها من أجل مستقبل مستقر ومزدهر.
الغد 2017-06-07