"الإرهابيون الجدد"

تم نشره الجمعة 09 حزيران / يونيو 2017 12:35 صباحاً
"الإرهابيون الجدد"
عيسى الشعيبي

قبل ان يصبح الإرهاب ظاهرة عالمية، ويتحول الى تحد شامل يخاطب مختلف الدول، كانت هذه الظاهرة لازمة من لزوميات الشرق الاوسط على مدى سنوات طوال، تخص البلدان العربية في المقام الاول، تتغذى من عوامل الفقر والظلم والتهميش، تتدثر بعباءة الدين، تستثمر في الاخفاقات على كل صعيد، وتتفشى في اوساط محدودة وقابلة للتشخيص، الامر الذي مكن الدول والحكومات من ادارة الازمة وعزلها الى حد ما، واحتوائها بهذا القدر او ذاك، على نحو يجعل منها مجرد حالة قليلة الأثر والتأثير في مجرى حياة الانظمة والمجتمعات.
غير ان جيلاً من الارهابيين بدأ يظهر في السنوات القليلة الماضية، راكم على ما اسسه الجيل السابق له، وراح يطور من خطابه واساليبه وقدراته، ويرفع من وتيرة هجماته الوحشية، ويزيدها حدة واتساعاً، مستفيداً من حالات الفوضى غير المسبوقة، ومستثمراً في ضعف وتآكل مقومات الانظمة السلطوية، المفتقرة لأي قدرة على مواجهة هذا المتغير سوى بأدواتها الامنية، الامر الذي ادى الى مفاقمة هذه الظاهرة، ونجاحها في بعض الاحيان في انتزاع حيز جغرافي خاص بها، خصوصاً في المشرق العربي.
وأحسب ان هذا التحول النوعي، قل الطفرة الارهابية، التي كان تنظيم "داعش" خير معبر عنها، هي التي أنجبت ما يمكن ان نسميه "الارهابيون الجدد"، هؤلاء الذين تفوقوا على سابقيهم من عدة نواحٍ، بما في ذلك تصنيع اسلحتهم بصورة سهلة نسبياً، واستخدام التكنولوجيا الحديثة على نحو مكثف، واستقطاب فئات اكثر تعليماً، وامتلاك معدات اشد فتكاً، ومصادر تمويل أغزر، وفوق ذلك توسيع المواجهات ونقلها من النطاق الاقليمي الى فضاء دولي ارحب.
بكلام آخر، فقد بدا الارهابيون الجدد أكثر تأهيلاً من جيل الآباء المؤسسين لهذه الظاهرة التي كانت تنمو على الهوامش، وصاروا اكثر مراساً واشد شكيمة، بل واقوى جاذبية من سابقيهم، الذين لم ينجحوا في لفت الانظار اليهم الا مرة واحدة يوم 11/9/2001. كما تجلت قدرات هؤلاء "الجدد" في نقل المواجهات وتكرارها بوتيرة عالية الى قلب المدن والعواصم في الشرق وفي الغرب، ناهيك عن وفرة انتاجهم من الانتحاريين المتسابقين على تفجير انفسهم في كل مكان يستطيعون الوصول اليه، بمن في ذلك الذئاب المنفردة.
ومع ان ظاهرة الارهابيين الجدد تستحق دراسات معمقة، واجراء بحوث ميدانية كثيرة للوقوف على سماتها الرئيسة وديناميات تطوراتها السريعة، الا ان مراقبة هذه الظاهرة بذهنية تستبعد الاستنتاجات السهلة، وترصد قوى الدفع الكامنة خلفها بدقة، تساعد بالضرورة الموضوعية على فهمها بصورة افضل مما تلهج به الألسن الرسمية، ومن ثمة مقاربة جوهرها العميق بطريقة اكثر فاعلية، وبالتالي اجتراح الوسائل والادوات والاساليب الأنجع في مقاومتها والحد من تغولها.
نقول ذلك على خلفية الاعتقاد الرائج على نطاق واسع، ان القضاء على الارهاب في معاقله الرئيسة، خصوصاً في الموصل وفي الرقة، واخراجه من المدن والتجمعات السكانية الكبيرة، سوف يشكل خشبة الخلاص من هذه الظاهرة المروعة، ويجعل العالم يتنفس الصعداء بعد حبس انفاس طال امده. غير ان لا شيء يدل على اننا نقف على اعتاب عالم خال من الارهاب ذي الجذور الضاربة عميقاً في التربة الاجتماعية والدينية، وان نهاية الحرب الدولية على هذه الظاهرة باتت وشيكة.
خلاصة القول، ان من المبكر تأبين الارهابيين الجدد، حتى وان خرجوا مثخنين من عاصمتيهما في الموصل والرقة، ومشتتين في طول وعرض البوادي السورية والعراقية. فنحن امام ظاهرة لن تنتهي هكذا بضربة عسكرية كبيرة، وتطوى رايتها السوداء بالمعالجات الامنية والحربية، طالما ان العوامل التي ادت الى نشوء هذه الظاهرة، وانتشارها على هذا النحو، ما تزال قائمة، ان لم نقل ان من المرجح تعمقها على ضوء ما تغري به الانتصارات العسكرية المؤقتة من نهايات سعيدة.
ولعل نظرة خاطفة الى ما جرى لحركة طالبان الافغانية من اقتلاع واسع النطاق، وما لحق بها من ضربات اميركية متواصلة على مدى اكثر من عقد، يشير الى ان المعالجات بالحديد والنار لم تنجح في القضاء على تلك الحركة، التي عادت مؤخراً بقوة الى قلب المسرح الافغاني، وبدأت تملي نفسها مجدداً على سائر الاطراف المعنية، بما في ذلك عدوها الولايات المتحدة.

الغد  2017-06-09



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات