في التمييز بين العداء والكراهية

تم نشره السبت 10 حزيران / يونيو 2017 12:52 صباحاً
في التمييز بين العداء والكراهية
إبراهيم غرايبة

تفضل فئة من السلطات والنخب المهيمنة أو تنزع إلى اعتبار الانسان كيانا تحركه المحفّزات والدوافع، وبالطبع فإن الإنسان أكرم من ذلك وأعقد أيضا بكثير. ولا تشكل المحفزات والدوافع في فهم الانسان وسلوكه وتفكيره سوى جزء ضئيل... ولكن أبشع ما في هذا التفكير أن الأوليغاركيين ينظرون إلى أنفسهم غير ذلك وأنهم كيانات تمتلك شبكة من المشاعر والعواطف والأفكار أسمى وأوسع، وفي ذلك فإن الدول والجماعات والنخب على مدى التاريخ والجغرافيا تلجأ إلى إثارة الكراهية وتحريك غرائز العداء نحو الخصوم. صحيح أن المجتمعات والجماهير تميل إلى الانسياق وراء التعصب والكراهية، لكن يجب ألا يشجع ذلك قادة الدول والجماعات على اللجوء إلى إثارة الكراهية لأنها سياسات تعود بعد فترة قصيرة على أصحابها، فهي تعني بالتأكيد عدم احترام المواطنين، وعدم الاعتراف بالاتجاهات والنزعات الإنسانية السامية لدى الناس وبأهميتها في التشكلات الاجتماعية والسياسية.  
لقد شكّلت دعوات العنف والتعصب والشعور بالتميز الديني أو العرقي أو الاشمئزاز والكراهية تجاه الآخر، أو المختلف دينياً أو عرقياً أو ثقافياً مورداً أساسياً ومهماً لصعود القادة والجماعات. وفي ذلك، فإن الإصلاح يواجه مأزقاً وجودياً محرجاً، ففي سهولة الغوغائية والدعوة إلى تمجيد الذات القومية أو الاثنية أو الدينية أو الدعوة إلى الكراهية والتحريض ضد الآخر، تكون المنافسة السياسية أو الانتخابية تعمل لصالح العنف والتطرف!
هناك حالة "سادية" تؤثر في إدارة الصراعات والاختلافات تستعيد المخزون الثقافي في القسوة والكراهية، ومن الضروري اليوم التأكيد على ملاحظة أن حالةً من الارتقاء الإنساني تشكلت، منذ منتصف القرن العشرين، تنشئ قيماً جديدةً من القوانين والعلاقات الدولية والحريات والعدالة والمساواة حقوق الإنسان وحماية البيئة والتضامن العالمي الإنساني والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والتعاطف مع الأطفال وكبار السن والمعوقين، وتمكين المرأة والتمييز الإيجابي للأقليات والمستضعفين والمهمشين، بعد تاريخ طويل غير مشرّف لجميع الأمم والحضارات في العبودية والظلم والقتل والاعتداء على الطبيعة والمستضعفين. 
لكن، وكما يدفع الجوع، مثلاً، الإنسان إلى التخلي عن القيم المنظمة للمجتمعات، أو حتى يدفعه إلى أكل لحوم البشر، فإنه من المتوقع أن بعض الظروف قد تشجع على القسوة والتطرف، وتحوّل أشخاصاً طيبين إلى قتلة وإرهابيين يستمتعون بالأذى والإضرار، وقد يكون سهلاً أو مغرياً ردّ القسوة والنزعة إلى الأذى والإضرار من غير سببٍ، أو ضرورةٍ، إلى الأفكار والمعتقدات الدينية. ولكن، هناك أسباب كثيرة يمكن أن تجعلنا قساةً حتى من غير الأفكار والمعتقدات الدينية المتطرفة، وإن كان من الضروري أيضاً إجراء مراجعاتٍ فكريةٍ نزيهةٍ للمصادر الدينية والتراثية والثقافية للقسوة والكراهية والعنف، أو تمجيدها والدعوة إليها، وأن يُعاد بناء الخطاب الديني وفهم النصوص الدينية وقراءتها، بمناهج عقلانية منبثقة عن روح العصر ومنجزاته، ذلك أن الخطاب، بما هو معالجة منهجية لفكرة أو موضوع مستقل عن النص أو المعتقدات، وإن كان مستمداً منها، أو قراءةً وتحليلاً للنصوص والتجارب.
 الخطاب، إذن، يجعل الدين والمنظومات العقائدية مصدراً للقسوة والكراهية الحقيقية والمتخيلة، كما يزود الأتباع بالحافز والدوافع، ويمكن أيضاً أن يضع الدين في سياق الإصلاح والتقدم، فالدين، في بعده التطبيقي أو في فهمه (الخطاب)، منتج حضاري يعكس الحالة الاجتماعية والثقافية السائدة.
تزدهر السادية عندما تكون مفيدةً أو ممتعة. وفي ذلك يمكن فهم الإغراق بالتحريض والكراهية الذي تمارسه سلطات سياسية يفترض أنها معادية للإرهاب والكراهية لكنها لا تريد ملاحظة المنسوب العالي للكراهية والتطرف في خطابها وسلوكها.

الغد 2017-06-10



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات