إعلام تافه
لا ترى اتفه من هكذا اعلام تلفزيوني في رمضان، اذ ان اغلب المسلسلات والبرامج، تافهة جدا، وهذه التفاهة مقصودة بحد ذاتها، وينفق عليها مئات ملايين الدولارات سنويا.
تغيير هوية رمضان، بدأ منذ زمن بعيد، وبالتدريج، حتى وصلنا الى مرحلة بات فيها رمضان، مجرد مقاه وخيم رمضانية، ومسلسلات وبرامج، لاقيمة لها ابدا، لكنها مطلوبة ومقصودة، بهدف «تغييب الوعي» وتزييفه، وتحطيم حرمة رمضان تدريجيا في نفوس الناس.
مليارات تم انفاقها آخر عقدين، على عملية تغييب الوعي، فالعملية منظمة ومقصودة، بل اننا نلاحظ ان عملية تغييب الوعي، تشتد في رمضان، مقارنة، ببقية شهور العام، هذا على الرغم من ان رمضان، ليس ارهابيا، يراد تطويعه واخضاعه، وليس مجرما يراد سجنه، فالقصة كلها ترتبط بإزالة الرهبة في نفوس الناس، ازاء كل ماهو مقدس، او فيه حرمة من حرمات الله.
لاتحتاج القضية الى افتاء، ولا الى تنظير ديني على رؤوس الناس، لكننا نسأل بحق، لماذا يراد تحويل شهر رمضان، الى شهر للجوع فقط، دون مضمون روحي، واختطاف الملايين من دائرة رمضان الروحية، الى دوائر اخرى؟!.
اذا دققنا في مضمون المسلسلات والبرامج، نكتشف انها بمعايير دينية معتدلة، وليست متطرفة، لايليق اغلبها بشهر رمضان، والذي يجري دراسات دقيقة، يكتشف ان اغلب الانتاج التلفزيوني المقرر قبيل رمضان، ولاجل رمضان، يعتمد على مضامين في غاية السوء، برغم ان اغلب المنتجين يدركون مسبقا، ان هذه الاعمال ستعرض في رمضان.
لكن علينا ان نعترف ان الانتاج التلفزيوني، الا من رحم ربي، يتورط في اعمال جنائية، تريد محو هوية الناس، وفصلهم عن تواقيتهم الحساسة، مثل رمضان، في سياقات انتاج وعي جديد، يقول ان لامشكلة في كل هذا، وان كل هذا السحر التلفزيوني، لايضر احدا.
الانتاج التلفزيوني في رمضان، يتواطأ مع عوامل اخرى، تريد شطب مضامين عامة، كثيرة، والمشكلة ان هذا قد ينجح جزئيا، لكنه يولد من جهة اخرى، اسلاما يتسم اصحابه بالعنف والتكفير والغضب، ردا على مايعتبرونه محاولة لمحو هوية المسلمين، وليس ادل على ذلك، ان العقدين الفائتين، انتجا غضبا من نوع غريب بين المسلمين، ردا على مايعتبرونه محاولات استهداف عبر الحروب او الاحتلالات او الغزو الاعلامي وغير ذلك.
هذا يعني ان محاولات تغييب الوعي، تؤدي الى نتائج عكسية، فالمسلم العادي، قد يبتعد عن دينه لكنه سريع العودة، وقد ينجرف يمينا ويسارا، لكنه يعود سريعا، ولربما كان الاصل ان لاتواصل جهات كثيرة، سياساتها ذاتها، عبر تأكيد استهدافها لهوية المسلمين، عبر محوها، لانتاج هوية هجين، لاننا امام هذه المحاولات سنرى ردودا كثيرة، عنوانها الغضب الذي يتحول الى عنف اعمى يضرب في كل مكان، باعتبار ان استهداف الدين والاستهزاء به، بات هو السلعة الرائجة هذه الايام.
الذي يجري دراسة، على عناصر داعش، سوف يكتشف ان اغلبهم، لم يكن في الاساس مسلما ملتزما، فأغلب هؤلاء كانوا يجنحون الى المعاصي، وفي لحظة ما، قرر هذا او ذاك، تحت وطأة شعوره انه ثقيل بالخطايا، التي تسببت بها، حملات على هوية المسلمين، سواء كانت سياسية او اعلامية، ان يتطهر من هذه الاحمال، ولم يجد لحظتها الا العنف الدموي، وسيلة لهذا التطهر، وتعبيرا ايضا، عن موقفه الثأري من كل من يراهم يستهدفون الاسلام.
معنى الكلام، ان كثيرا من الوسائل التي يتم اللجوء اليها، لتغييب الوعي، وفصل الناس عن الدين، واعادة انتاج هوية دينية جديدة، بلا قيمة، ومثال ذلك الضخ الاعلامي في رمضان، وغيره، يؤدي الى نتائج عكسية تماما، اذ يتعاظم التحسس، في لحظة ما، بين اولئك الذين وقعوا اسرى لعملية المسح الاعلامي، فيستيقظون وهم في وارد رد الفعل، وبلا حدود ايضا.
الخلاصة، ان الرد على مايعتبر عنفا وتطرفا، لايكون بإنتاج اجيال تافهة، لاقضية لديها، وغير مرتبطة بدينها، فهذه وصفة ثبت فشلها، بل وانتجت ردا اكثر عنفا وتطرفا.
الدستور 2017-06-10