والمجزرة مستمرة
انضم شهيد مدينة كفر قاسم، محمد محمود طه (27 عاما)، فجر الثلاثاء الماضي، الى 53 شهيدا من فلسطينيي 48، سقطوا منذ العام الفين برصاص الشرطة الإسرائيلية، وسبقهم العشرات من الشهداء على مدى السنين، الذين تم اغتيالهم بدم بارد، دون أن يكونوا في أي مواجهات، وإنما تطبيقا لسياسة الضغط السريع على الزناد، طالما أن الضحية عربي؛ وهذا نابع من أوامر عليا، ومن العقلية الصهيونية الشرسة.
وما جرى ليلة الاثنين/ الثلاثاء في مدينة كفر قاسم، بلد شهداء مجزرة العام 1956، أن الأهالي كانوا يعبرون عن غضبهم على تقاعس الشرطة أمام ظاهرة الاجرام المستفحلة في مجتمع فلسطينيي 48؛ فهذه المدينة انتكبت بقتل 15 ضحية خلال أقل من ثلاثة أعوام، دون أن تحرك الأجهزة ساكنا لمواجهة أوكار الجريمة؛ فهذا ما يريده النظام الصهيوني الحاكم، طالما أن أطراف الجريمة من العرب، كي يدفعوا مجتمعنا نحو التهلكة. وحسب شهود العيان، فإن حارس مركز الشرطة أطلق النار على الشهيد عن قرب، دون أن يشكل الأخير أي تهديد له.
وهذا الشهيد الثاني منذ مطلع العام الحالي، إذ كان الأول، المربي الشهيد يعقوب أبو القيعان من قرية أم الحيران، المنكوبة في النقب. ويومها سارع بنيامين نتنياهو وباقي عناصر عصابته المسماة حكومة، وقادة شرطتهم، للادعاء أن أبو القيعان كان ينوي تنفيذ عملية دهس، بينما هو كان في طريقه الى عمله في المدرسة، وجرت حملة تحريض واسعة النطاق، إلا أن أشرطة التصوير العديدة التي وثقت الجريمة، والضغط الشعبي، اضطر الأجهزة الإسرائيلية للتراجع عن روايتها، واعترف عدد من الوزراء بأن أبو القيعان ضحية.
وفي العام 2003، كانت لجنة تحقيق حكومية إسرائيلية، حول مجريات هبة أكتوبر العام 2000، قد اعترفت بأن الشرطة الإسرائيلية تتعامل مع فلسطينيي 48 كأعداء، وعلى هذا الأساس تصرفت في تلك الهبة، التي خلفت 13 شهيدا، في مظاهرات شعبية عزلاء. وعلى الرغم من ذلك التقرير الرسمي، إلا أن شيئا لم يتغير، لا بل استفحل أكثر، وبدعم واضح من أعلى رأس هرم الحكم الصهيوني.
وكي نعرض الصورة كاملة، فإن أداء قادة صهيون، في أعقاب الجريمة الأخيرة كان مختلفا تماما، عما جرى في أعقاب جريمة اغتيال ابو القيعان، فهذه المرّة أظهروا انضباطا، وراح قادة الشرطة وقيادات سياسية أخرى تطالب بالتهدئة، في أعقاب الاضراب العام الذي خاضه فلسطينيو 48 في اليوم التالي. وهذا ليس حسن سلوك، ولا "كرم أخلاق صهيونيا"، بل هذا نتاج الرد الشعبي الواضح، والتحذير من أن جرائمهم لن تمر. واختلاف الأداء هذا لن يوقعنا في أي وهْم، لأن العقلية ما تزال على حالها، وتستفحل أكثر. وأوامر القتل السريع ضد كل فلسطيني ما تزال تطبق في كافة أنحاء فلسطين التاريخية.
وقد "زودنا" حزب الليكود الحاكم، الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو قبل أيام قليلة، بدليل آخر على عقليتهم الارهابية؛ فقد احتفل 400 عنصر من قيادات وكوادر الحزب، بينهم وزراء وأعضاء كنيست، بصدور كتاب جديد يعج بالمضامين العنصرية والارهابية ضد فلسطينيي 48، وقد أعده الارهابي المدعو رفائيل يسرائيلي، ويحمل لقب بروفيسور، ويحاضر في الجامعة العبرية في القدس المحتلة. وعمل على تأمين تمويل الكتاب من أثرياء يهود أميركان، عضو كنيست سابق.
وينثر الكتاب مزاعم، تحمّل فلسطينيي 48 المسؤولية عن أوضاع البؤس التي يعيشونها، الناجمة عن سياسة التمييز العنصري، ويطالب الكاتب بتكثيف الاجراءات القمعية ضد حراكهم الوطني والسياسي، حتى يصل به الأمر الى الدعوة لنسخ ما جرى في الحرب العالمية الثانية، بالزج بفلسطينيي 48 بمعسكرات مغلقة. وبهذه العقلية احتفل قادة الليكود الحاكم، لأنها حقيقتهم، وعلى أساسها يطبقون سياساتهم.
ويجب أن يكون واضحا، أن هذه العقلية تقف أيضا من خلف نظرتهم للقضية الفلسطينية، وعلى أساسها يرفضون قيام دولة فلسطينية، وكل ما نسمعه من مساع لدى البيت الأبيض بزعامة دونالد ترامب، لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ما هي إلا فقاعات سياسية فارغة، لن ينتج عنها أي شيء، لأن الأمر الأساس: العدوانية الصهيونية، باقية على حالها، ولن يكون في النظام الصهيوني القائم، من يقبل بالتقدم ولو خطوة صغيرة نحو الحل الذي يجب أن يكون.
الغد 2017-06-10