في مسؤولية الكلمة
بعض من يكتبون في صحافة ايامنا هذه قد يفيدهم «عرفان القدر» (أو ان يعرف الواحد منهم قدر نفسه فلا يعدوه) في تخفيف مؤونة التذاكي عليهم وعلى الناس. وإن فيهم لمن دُفع في ظهره, او انبثق عن عتمته, أو انزلق من حوزته, فاذا هو مقيم لا يبرح على رأس عمود, واذا دأبه ان يثرثر في الصغيرة والكبيرة, وان يلوّث ما وقف عليه من نهر الصحيفة ببهتان اثر بهتان مما يتسع له الفساد وتعمى عنه الغفلات ويسري سمّه في الانفس, وخطله في العقول, ووهنه في الارادات.
ولقد كان اتى على الصحافة العربية حين من الدهر كان الكُتّاب فيه مسكونين بكلا هاجسِي المعرفة والاخلاق, فكنت ترى فيهم الحرص على العلم والبيان ومسؤولية الكلمة في آن. وكنت تراهم مستمسكين بمبادئهم وأوطانهم على حد سواء فهي المرجع والمثابة, لا يستبدلون بها شيئاً مما يكبر أو يصغر من شهوات الانفس او زائل المتاع, ويرفضون أن يكونوا صنائع لجهة في الارض, أما اليوم فقد انتهى بنا المطاف الى درجة يمكن عندها للمرء أن يقول: إنني اذا اردت معرفة وجهة نظر هذه الدولة الاقليمية أو الغربية أو تلك نظرت فيما يكتبه «س» أو «صاد» من الكتبة, واذا اردت ان اتعرف الى ما تتخافت به فلول الايديولوجيين أو ما يروج في بعض البؤر او مراكز القوى او الماسونيات المختلفة نظرت فيما تكتبه الاقلام الممثلة (أو المأجورة) لها, وعلى ذلك يكون القياس.
من اجل ذلك كان الغموض وكان الالتباس, وكانت التورية, وكانت الغمغمة والجمجمة, الا ما يقتضيه الامتثال لغايات الجهات المصطنعة وما تريد أن تنفثه في تبرير سياساتها ومواقفها.
إن «عرفان القدر» غير وارد هنا ولا هو - في هذه السوق – بمطلوب. وغاية ما يحققه السادة الاذكياء (!) هو «نيل الرضى» و»تحقيق النفع» واتخاذ سمت «الاستاذية» في ما يظنونه جاهلية جهلاء وغفلة مطبقة, يمرحون فيها ويسرحون, دونما رقيب أو حسيب, على حين لا يخدعون الا انفسهم بما يظنون, فهم منكشفون مكشوفون, ومتبر ما هم فيه, وباطل ما يصنعون.
واذا ما بلغ موات الحس بامرئ ان يظل سادراً فيما هو فيه على الرغم من انكشاف امره, وان يطمئن في الوقت نفسه الى بقاء اسباب تمكينه (وأول ذلك الفساد خفياً وظاهراً) فإن بنا أن ننادي باعادة نظر (مسؤولة) في المنابر الصحفية والاعلامية, وان نبادر الى ذلك من قريب, وأن لا نألو في ذلك جهداً أو نكتم نصيحة او نتخافت بنذير.
الراي 2017-06-12