أمن واستقرار ومصالح عليا..
نعيش في محيط مشتعل يغرق في طوفان الأزمات ، ونمر بمرحلة خطيرة متقلبة فوضوية تتغير فيها التحالفات والمصالح وينقلب فيها الحليف على الحليف في كل يوم ، ان لم نقل في كل ساعة ، لذلك يجب تحسس خطانا ، ونتحرك بحذر لأننا نمشي في حقل ألغام ، وقد نستعين بكل المخزون الاردني من الخبرة والحنكة السياسية والحكمة والعقلانية من اجل التعامل مع هذا الواقع الطارئ ،على أن نضع في الأعتبار ان مصالح الاردن العليا أولا.
حافظ الأردن على امنه واستقراره ، واجتاز مخاطر مشروع الفوضى الذي ضرب البلاد العربية تحت عنوان « الربيع العربي « ، كل ذلك تم بفضل حكمة قيادته ووعي شعبه ويقظة قواته المسلحة ومؤسساته الأمنية ، وتماسك نسيجه الوطني من كل الأطياف والطوائف. كذلك نجح في صد كل المخاطر وتمكن من منع تصدير الازمات والصراعات والمعارك والفوضى الى داخله ، رغم كل الضغوط البائسة التي تهب علينا من كل الجوانب والجهات المعنية بادامة الأزمات والمتورطة في الصراع العربي العام ، والتي اعتقد انها لم ولن تتوقف عند حد.
لذلك جاءت تطمينات رئيس هيئة الاركان المشتركة الفريق الركن محمود فريحات مريحة للجميع ، عندما اعلن بناء على توجيهات الملك عبدالله الثاني ورؤيته لما يدور في المناطق الحدودية ، بان الجيش العربي لن يدخل حدود أي دولة من دول الجوار ، ولكنه سيتصدى لكل من يحاول تجاوز حدودنا او يهددها ، ويضرب بيد من حديد.
هذا القرار يمثل جوهر ثوابت الأردن وسياسته الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد آخر ، واعتماد الحوار لايجاد حلول سياسية للمشكلات العربية ، خصوصا ان الأردن يرأس القمة العربية في دورتها الحالية وفي هذا الوقت العصيب ، الذي يحتاج الى المزيد من العمل السياسي والدبلوماسي غير المسبوق ، وعلى كل الجبهات. هذا الواقع يفرض عدم الانجرارالى بؤر التوتر والأشتعال أو المشاركة في اتونها ، حصوصا في هذه المرحلة المصيرية التي تؤكد انه ما زال في ألأجندة العربية ما هو اسوأ.
قد نسمع ، بين الحين والآخر ، بعض الأصوات المتحمسة ترتفع تطلب الاندفاع الى الامام ، أو الانحياز الى هذا الجانب أو ذاك ، ولكن الأردن يدرس خطواته بتمهل ، وما يهمنا هو المحافظة على انتهاج سياسته المتوازنة ، لأن ما يهمنا هو مواجهة العواصف بقوة وحكمة وحنكة وعقلانية من أجل سلامة المواطن وأمن الوطن ، والوصول الى برالأمان بسلام لأن المشروع المطروح المشبوه يشمل المنطقة بكاملها ، وهواكبرمشروع اقليمي ودولي تخريبي تقسيمي يهدف الى فرض واقع جديد تتغير فيه الخرائط من اجل اقامة الشرق الأوسط الجديد.
اللافت أن التطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة تؤكد حتمية هزيمة التنظيمات الأرهابية ، خصوصا بعد محاصرتها وتنفيذ قرار تجفيف منابع تمويلها وتسليحها ، الا ان الثابت الآخر هو أن الدول الكبرى ما زالت متمسكة بتحقيق المشروع المشبوه الهادف الى تقسيم المشرق العربي ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الناشطة عسكريا وسياسيا لاقامة كيانات عرقية وطائفية بهدف تقسيم العراق وسوريا أولا.
بعدها تبدأ المرحلة الثانية من المشروع ، في حال نجحت الخطة الأميركية ، وهو ما نستبعده تماما وقطعيا ، بسبب الصمود السوري في مواجهة التقسيم ، ولكن في ظل هذا الاقتتال العربي الشامل والفوضى العارمة ، يبقى في النوايا الأميركية ما يشجعها على تنفيذ خططها واولها العمل على انهاء الصراع العربي الاسرائيلي بلا شروط ، حتى في غياب حل الدولتين ، وهذا الواقع المنتظر يفرض على الأردن اقصى درجات اليقظة والتأهب ، لأن الأردن معني بحل القضية الفلسطنية حلا عادلا بسبب التشابك الجغرافي والتاريخي والاجتماعي والمصير المشترك ، كما أن أي حل يلامس المصالح الأردنية ويؤثر فيها ، وبالتالي من اجل الحفاظ على مصالح الأردن العليا.
الراي 2017-06-12