تخفيض النفقات الجارية
ملعون أبو النفقات الجارية، فكل حكومة تتعهد بخفض النفقات الجارية، وكل تعليق اقتصادي على الموازنة العامة يطالب بتخفيض النفقات الجارية، مجلسا الأعيان والنواب يطالبان بتخفيض النفقات الجارية ومجلس السياسات الاقتصادية يطالب بتخفيض النفقات الجارية مع أن النفقات الجارية هي نفقات تشغيل الحكومة وتمكينها من تقديم الخدمات المطلوبة.
جرت العادة بان تطالب اللجنة المالية في مجلس النواب بتخفيض النفقات الجارية بنسبة 10%. الشيء المؤكد أن من حق مجلس النواب، بل من واجبه الدستوري ، أن يحاول تخفيض النفقات العامة ، ولكن عليه في هذه الحالة أن يسمي النفقات الواجب إنقاصها، لا أن يفرض نسبة عشوائية مثل 10% ويترك لوزارة المالية توزيعها كما تراه مناسباً، فما تراه مناسباً هو أرقام الموازنة كما قدمت للبرلمان.
دعونا نحلل هذه النفقات الجارية: بالعودة إلى خلاصة البيانات المالية لسنة 2016 نجد أن بند الرواتب والأجور يشكل 52% من النفقات الجارية، وأن رواتب التقاعد تشكل 5ر17%، وأن الفوائد المدفوعة على الدين العام تشكل 1ر12% وأن نفقات السلع والخدمات (قرطاسية، كهرباء، ماء، صيانة إلى آخره تشكل 5ر6% وكلها ملزمة للحكومة وغير قابلة للتخفيض.
الباقي أقل من 12% من النفقـات الجارية يذهـب للإيجارات والدعـم الاستهلاكي - خبز، أعلاف، غاز، كهرباء، ماء... وكلها واجبة الدفع، فمن أين يأتي التخفيض؟.
استهداف تخفيض النفقات الجارية كان وسيظل شعاراً جميلاً ولكنه غير قابل للتنفيذ، المهم هو أن تكون الزيادة بأقل الحدود.
بالنتيجة فلا مناص من تخفيض عجز الموازنة لأنه مصدر تفاقم المديونية، وإذا كان باب النفقات الجارية شبه مغلق، فلا يبقى سوى زيادة الإيرادات المحلية، التي للأسف لا تتحقق إلا بزيادة ضرائب ورفع أسعار، وهي كلمات لا يرغب أي مسؤول أو سياسي بأن ترد على لسانه.
تحت الضغط يجري تقليص أرقام مخصصات النفقات الجارية في الموازنة العامة بشكل مصطنع. وتجد وزارة المالية نفسها مطالبة بدفع مبالغ تزيد عن المخصصات. وبما أنها لا تستطيع تجاوز المخصصات فإنها تماطل ولا تدفع التزاماتها.
بمناسبة إعداد موازنة 2017 انكشف أن هناك نفقات مستحقة وغير مدفوعة، مدورة من سنوات سابقة تبلغ 1350 مليون دينار تشمل رديات ضريبة الدخل والمبيعات وفواتير الكهرباء والمستشفيات وشركات الادوية ومستحقات المتعهدين والموردين.
جـاء هذا المأزق نتيجة التهرب من مواجهة الحقائق وطرح الحلول ولو كانت قاسية، وبالتالي شراء الوقت على أمل ترحيل المشكلة للمستقبل لتواجهها حكومة أخرى.
الراي 2017-06-15