الأردن واقتصاد الحرب
ثمة مقولة مغلوطة وتضليلية انتشرت وسط بعض المحللين منذ سنوات طويلة تقول ان الأردن بلد يستفيد من حروب المنطقة وأزماتها، والمقصود تحقيق مكتسبات اقتصادية نتيجة تداعيات الحروب والازمات بحكم الجغرافيا والضرورة. في الحقيقة لا توجد ادلة قوية وصلبة تؤكد بالفعل ان الأردن حقق مكاسب اقتصادية واستراتيجية من حروب المنطقة، في المقابل توجد أدلة عديدة وصلبة تؤكد حجم الخسائر التي لحقت بالاردن والتشوهات التي لحقت باقتصاده الهش نتيجة هذه الحروب والازمات، بالمقارنة مع فرضية لو ان مسار النمو والتطور سارا في إطارهما الطبيعي.
تنطبق هذه الحقيقة على حروب المنطقة وازماتها منذ حرب لبنان مرورا بالحرب العراقية الايرانية وحرب الكويت وحروب العراق وحصاراتها اللاحقة وصولا الى الحرب السورية الراهنة. اوجدت هذه الحروب والازمات المتتابعة التي وجد الأردن انه وسطها ولا بد من التعامل معها حالة تعايش مع اقتصاد حرب مشوه لا يتوقف، حالة من الطوارئ التاريخية المزمنة التي لا يمكن تجاوز آثارها الكبيرة في انتاج هياكل اقتصادية مشوهة دون انكار العوامل الذاتية، هذا التشوه كان يأخذ في كل حرب ابعادا وآثارا مختلفة قد تتوارى بعض الوقت خلف مصالح آنية لفئات او طبقة ما تزدهر مصالحها على الحروب، وقد تخلق هوامش للفساد والإفساد والظواهر الغامضة. وعلى كل الاحوال ساهمت هذه الحروب وحالة غياب الاستقرار في حرمان الاقتصاد الأردني من فرص النمو الطبيعي والتفاعل الايحابي مع البيئات المحيطة به.
تقدم الحرب السورية الراهنة أدلة قوية على الآثار بالغة الخطورة التي لا تتوقف على هذا الجيل من الأردنيين بل وعلى الأجيال القادمة، ولقد حان الوقت ان نرى الطرق التي اتبعتها دولة مثل تركيا في تحويل الحرب في سورية الى فرصة على اكثر من مستوى مقارنة مع الخسائر التي يعانيها الاقتصاد الأردني الذي بات محاصرا من كل الجهات بفعل الحروب والأزمات ـ علاوة على الأثمان الكبيرة التي يدفعها نتيجة استقبال موجات اللاجئين في الوقت الذي تتضاءل فيه الاستجابة الدولية للمطالب الاقتصادية وللوفاء باحتياجات هذه الكتل البشرية التي جعلت من عدد سكان بلد صغير يتضاعف خلال عقد واحد مع تواضع حاد في معدلات النمو الاقتصادي.
في المقابل حققت تركيا عوائد كبيرة من قصة بيع النفط الرخيص الذي سيطرت عليه التنظيمات المتطرفة، وبقيت تستفيد منه لسنوات طويلة، وحققت عوائد كبيرة من اكبر عملية نقل ممنهج للصناعات السورية من مدينة حلب الى المدن السورية القريبة من الحدود، ويلاحظ كيف ازدهرت مدينة مثل غازي عنتاب التي انتقلت اليها آلاف المعامل والمصانع السورية من حلب حيث تم تدمير او تهريب نحو 50 الف مصنع، وعلينا ان نقارن بين ما آلت اليه المفرق او الرمثا وما جنته من الحرب الدائرة بالقرب من الحدود بالمقارنة مع المدن التركية، في الوقت الذي حلت الصناعات التركية محل السورية واغرقت المنطقة ومنها الاسواق الاردنية وفق اتفاقية التجارة غير العادلة بين البلدين، ومع كل ذلك فحصة تركيا هي الأكبر من المساعدات الدولية الخاصة باللاجئين.
على كل الاحوال اقتصاد الحرب حالة مشوهة، والازدهار الحقيقي يرتبط بالاستقرار الداخلي والاقليمي معا، ونحن نحتاج جرأة ومصداقية اكثر لكي يعرف الناس ما يجري بالفعل.
الغد 2017-07-02